اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞وَعَنَتِ ٱلۡوُجُوهُ لِلۡحَيِّ ٱلۡقَيُّومِۖ وَقَدۡ خَابَ مَنۡ حَمَلَ ظُلۡمٗا} (111)

قوله : وَعَنَتِ الوُجُوهُ " يقال : عَنَا يَعْنُو إذا ذلَّ وخضع وأعناه غيره أي : أذلَّه ، ومنه العُنَاة جمع عانٍ وهو الأسير ، قال :

فَيَا رُبَّ مَكْرُوبٍ كَرَرْتُ وَرَاءَهُ *** وَعَانٍ فَكَكْتُ الغُلَّ عنْهُ فَقَدْ أَبَى{[26926]}

وقال أمية بن أبي الصلت{[26927]} :

مَليكٍ عَلَى عَرْشِ السَّمَاءِ مُهَيْمِنٌ *** لِعِزَّتِهِ تَعْنُو الوُجُوهُ وَتَسْجُدُ{[26928]}

وفي الحديث " فَإنَّهُنَّ{[26929]} عَوَان " {[26930]} . والمعنى : أنَّ ذلك اليوم تُذَلُّ الوجوه أي : المكلِّفين أنفسهم ، ذكرَ " الوجوه " {[26931]} وأراد أصحاب الوجوه ، لأن قوله { وَعَنَتْ } من صفات المكلفين لا من صفات الوجوه كقوله : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ }{[26932]} وخص الوجوه بالذكر ، لأن الخضوع بها يبين ، وفيها يظهر{[26933]} . وتقدم تفسير " الحَيُّ القَيُّومُ " {[26934]} وروى{[26935]} أبو أمامة الباهليّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " اطلبوا اسمَ الله الأعظم في هذه السُّور الثلاث البَقَرة وآل عمران ، وطه " قال الراوي{[26936]} : فوجدنا المشترك في السور الثلاث { الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم }{[26937]} .

قوله : { وَقَدْ خَابَ } يجوز أن تكون هذه الجملة مستأنفة ، وأن تكون حالاً{[26938]} ، ويجوز أن يكون اعتراضاً . قال الزمخشري{[26939]} : " وَقَدْ خَابَ " وما بعده اعتراض كقولك خَابُوا وخَسِرُوا ، وكل من ظلم فهو خائِبٌ خَاسِر{[26940]} .

ومراده{[26941]} بالاعتراض هنا أنَّه خصَّ الوجوه بوجوه العصاة{[26942]} حتى تكون الجملة قد دخلت بين العُصَاة وبين { وَمَن{[26943]} يَعْمَلْ مِنَ الصالحات } فَهذَا{[26944]} عنده قسيم " وَعَنَتْ الوُجُوهُ " فلهذا كان{[26945]} اعتراضاً{[26946]} . وأما ابن عطية فجعل " الوُجُوهُ " عامة ، فلذلك جعل { وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } معادلاً بقوله { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات } إلى آخره{[26947]} .

فصل

قال ابن عباس : " خَابَ " خَسِر من أشْرَكَ بالله . والظُّلمُ : الشِّرك{[26948]} قال الله تعالى { إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }{[26949]} والمراد بالخيبة : الحِرمان ، أي : حُرِم الثواب مَنْ حَمَل ظُلْماً ، أي ظلم ولم يتب{[26950]} .


[26926]:البيت من بحر الطويل، لم أهتد إلى قائله، ولم أجده فيما رجعت إليه من راجع. الغُلّ: جامعة توضع في العنق أو اليد. والشاهد فيه أن (عان) هو الأسير.
[26927]:واسمه عبد الله بن أبي ربيعة بن عوف الثقفي، قال الأصمعي: ذهب أمية في شعره بعامة ذكر الآخرة، وقد صدقه النبي صلى الله عليه وسلم في بعض شعره، ولما أنشد النبي صلى الله عليه وسلم شعره قال: "آمن لسانه وكفر قلبه" مات سنة 9 هـ كافرا. الخزانة 1/247 – 253.
[26928]:البيت من بحر الطويل قاله أمية بن أبي الصلت. مليك: ذو الملك. المهين: اسم من أسماء الله في الكتب القديمة، ومعناه الشاهد، وهو من آمن غيره من الخوف. تعنو: تخضع وتستأسر. وهو الشاهد.
[26929]:في ب: "إنهن".
[26930]:أخرجه ابن ماجه (نكاح) 1/594، وهو في غريب الحديث لابن الأثير 3/314 وعوان جمع عانية، وهي الأسيرة.
[26931]:ما بين القوسين سقط من ب.
[26932]:[الغاشية: 8، 9].
[26933]:انظر الفخر الرازي 22/120.
[26934]:وتقدم ذلك في [البقرة: 255] {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} انظر اللباب 2/95.
[26935]:في ب: فصل روى.
[26936]:في ب: الرازي. وهو تحريف.
[26937]:[البقرة: 255] و[آل عمران: 2] انظر الفخر الرازي 22/120.
[26938]:انظر التبيان 2/905.
[26939]:في ب: قال الزمخشري وغيره. وهو تحريف.
[26940]:الكشاف 2/448.
[26941]:في ب: ومراد به. وهو تحريف.
[26942]:الكشاف 2/447.
[26943]:في ب: "من".
[26944]:في ب: وهذا.
[26945]:في ب: فكان هذا.
[26946]:انظر البحر المحيط 6/281.
[26947]:انظر تفسير ابن عطية 10/97.
[26948]:انظر البغوي 5/459 – 460.
[26949]:[لقمان: 13].
[26950]:انظر الفخر الرازي 22/120.