البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞وَعَنَتِ ٱلۡوُجُوهُ لِلۡحَيِّ ٱلۡقَيُّومِۖ وَقَدۡ خَابَ مَنۡ حَمَلَ ظُلۡمٗا} (111)

عنا يعنو : ذل وخضع ، وأعناه غيره أذلة .

وقال أمية بن أبي الصلت :

مليك على عرش السماء مهيمن ***عزته تعنو الوجوه وتسجد

والظاهر عموم { الوجوه } أي وجوه الخلائق ، وخص { الوجوه } لأن آثار الذل إنما تظهر في أول { الوجوه } .

وقال طلق بن حبيب : المراد سجود الناس على الوجوه والآراب السبعة ، فإن كان روى أن هذا يكون يوم القيامة فتكون الآية إخباراً عنه ، واستقام المعنى وإن كان أراد في الدنيا فليس ذلك بملائم للآيات التي قبلها وبعدها .

وقال الزمخشري : المراد بالوجوه وجوه العصاة وأنهم إذا عاينوا يوم القيامة الخيبة والشقوة وسوء الحساب صارت وجوههم عانية أي ذليلة خاضعة مثل وجوه العناة وهم الأسارى ونحوه { فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا } { ووجوه يومئذ باسرة } و { القيوم } تقدم الكلام عليه في البقرة .

{ وقد خاب } أي لم ينجح ولا ظفر بمطلوبه ، والظلم يعم الشرك والمعاصي وخيبة كل حامل بقدر ما حمل من الظلم ، فخيبة المشرك دائماً وخيبة المؤمن العاصي مقيدة بوقت في العقوبة إن عوقب .

ولما خص الزمخشري الوجوه بوجوه العصاة قال في قوله { وقد خاب من حمل ظلماً } أنه اعتراض كقولك : خابوا وخسروا حتى تكون الجملة دخلت بين العصاة وبين من يعمل من الصالحات ، فهذا عنده قسيم { وعنت الوجوه } .

وأما ابن عطية فجعل قوله { ومن يعمل } - إلى - { هضماً } معادلاً لقوله { وقد خاب من حمل ظلماً } لأنه جعل { وعنت الوجوه } عامة في وجوه الخلائق .