الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{۞وَعَنَتِ ٱلۡوُجُوهُ لِلۡحَيِّ ٱلۡقَيُّومِۖ وَقَدۡ خَابَ مَنۡ حَمَلَ ظُلۡمٗا} (111)

وقوله تعالى : { وَعَنَتِ الوجوه } [ طه : 111 ] .

معناه : ذلّت ، وخضعت ، والعَانِي : الأسِير ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في أمر النساء : «هن عوان عندكم » وهذه حالةُ النَّاس يومَ القيامة .

قال ( ص ) : وَعَنَتْ : من عَنَا يَعْنُو : ذَلَّ ، وخَضَعَ قال أُمَيَّةُ ابن أبي الصَّلْت : [ الطَّويل ]

مَلَيكٌ على عَرْشِ السَّمَاءِ مُهَيْمِنٌ *** لِعِزَّتِهِ تَعْنُو الْوُجُوهُ وَتَسْجُدُ

انتهى .

( ت ) : وأحادِيثُ الشفاعة قَدِ استفاضت ، وبلغت حَدَّ التواتر ، ومن أعظمها شفاعة أرْحم الراحمين سبحانه وتعالى ففي «صحيح مُسْلم » ، من حديث أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ قال : ( فيقولُ اللّه عز وجل : شَفَعَتِ المَلاَئِكةُ ، وشَفَعَ النَّبِيُّونَ ، وشَفَعَ المُؤْمِنُونَ ، وَلَمْ يَبْقَ إلاَّ أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ ، فَيَخْرُجُ مِنْهَا قَوْماً لَمْ يَعْمَلُوا خَيْراً قَطُّ ، قَدْ عَادُوا حُمَماً ، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهْرِ فِي أَفْوَاهِ الجَنَّةِ ) وفيه : ( فيخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ ، فِي رِقَابِهِمُ الخَوَاتِمُ ، يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الجَنَّةِ هَؤُلاَءِ عُتَقَاءُ اللّهِ الَّذِينَ أدْخَلَهُمُ الجَنَّةِ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمَلُوهُ ، وَلاَ خَيرٍ قَدَّمُوهُ ) الحديث .

وخرج أبو القاسم إسحاقُ ، بنُ إبراهيم الختلي بسنده عن ابن عباسٍ ، قال : قال رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم : ( إذَا فرغ اللّهُ تعالى مِنَ القَضَاءِ بين خَلْقِه ، أخرج كِتَاباً من تحت العَرْشِ أَنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي ، وَأَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، قَالَ : فَيُخْرِجُ مِنَ النَّارِ مِثْلَ أَهْلِ الجَنَّةِ ، أَوْ قَالَ : مِثْلَيْ أَهْلِ الجَنَّةِ ، قَالَ : وَأَكْبَرُ ظَنِّي أَنَّهُ قَالَ : مِثْلَيْ أَهْلِ الجَنَّةِ ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ أعْيُنِهِمْ : عُتَقَاءُ اللّهِ ) انتهى من «التذكرة » .

{ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } ، معنى خاب : لم ينجَحْ ، ولا ظفر بمطلُوبه ، والظلمُ يَعمُّ الشِّركَ والمَعاصِي ، وخيبةُ كلّ حاملٍ بقدْرِ ما حمل مِنَ الظُّلْم .