روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{لِيَقۡطَعَ طَرَفٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡ يَكۡبِتَهُمۡ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ} (127)

{ لِيَقْطَعَ طَرَفاً مّنَ الذين كَفَرُواْ } متعلق بقوله تعالى : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ } [ آل عمران : 123 ] وما بينهما تحقيق لحقيته وبيان لكيفية وقوعه ، وإلى ذلك ذهب جمع من المحققين وهو ظاهر على تقدير أن يجعل { إذ تقول } [ آل عمران : 124 ] ظرفاً لنصركم لا بدلاً من { إذ غدوت } [ آل عمران : 121 ] لئلا يفصل بأجنبي ولأنه كان يوم أحد . والظاهر أن هذا في شأن بدر والمقصور على التعليل بما ذكر من البشرى والاطمئنان إنما هو الإمداد بالملائكة على الوجه المذكور فلا يقدح ( ذلك ) في تعليل أصل النصر بالقطع وماعطف عليه ، وجوز أن يتعلق بما تعلق به الخبر في قوله سبحانه : { وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله } [ آل عمران : 126 ] على تقدير كونه عبارة عن النصر المعهود والمعلل بالبشارة والاطمئنان إنما هو الإمداد الصوري لا ما في ضمنه من النصر المعنوي الذي هو ملاك الأمر وعموده ، وقيل : هو متعلق بنفس الصبر ، واعترض عليه بأنه مع ما فيه من الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي هو الخبر ، مخل بسداد المعنى كيف لا ومعناه قصر النصر المخصوص المعلل بعلة معينة على الحصول من جهته تعالى ، وليس المراد إلا قصر حقيقة النصر كما في الأول أو النصر المعهود كما في الثاني على ذلك ، والقول بأنه متعلق بمحذوف والتقدير فعل ذلك التدبير ، أو أمدكم بالملائكة ليقطع منقطع عن القبول ، والقطع الإهلاك ، والمراد من الطرف طائفة منهم قيل : ولم يعبر عن تلك الطائفة بالوسط بل بالطرف لأن أطراف الشيء يتوصل بها إلى توهينه وإزالته ، وقيل : لأن الطرف أقرب إلى المؤمنين فهو كقوله تعالى : { قَاتِلُواْ الذين يَلُونَكُمْ مّنَ الكفار } [ التوبة : 123 ] وقيل : للإشارة إلى أنهم كانوا أشرافاً ، ففي «الأساس » هو من أطراف العرب أي ( من ) أشرافها ، ولعل إطلاق الأطراف على الأشراف لتقدمهم في السير ، ومن ذلك قالوا : الأطراف منازل الأشراف فلا يرد أن الوسط أيضاً يشعر بالشرف ، فالمعنى ليهلك صناديد الذين كفروا ورؤساءهم المتقدمين فيهم بقتل وأسر ، وقد وقع ذلك في بدر كما قال الحسن والربيع وقتادة ، فقد قتل من أولئك سبعون وأسر سبعون ، واعتبار ذلك في أحد حيث قتل فيه ثمانية عشر رجلاً من رؤسائهم قول لبعضهم وقد استبعدوه كما أشرنا إليه .

{ أَوْ يَكْبِتَهُمْ } أي يخزيهم قاله قتادة والربيع ومنه قول ذي الرمة :

لم أنس من شجن لم أنس موقفنا *** في حيرة بين مسرور ( ومكبوت )

وقال الجبائي والكلبي : أي يردهم منهزمين ، وقال السدي : أي يلعنهم وأصل الكبت الغيظ والغم المؤثر ، وقيل : صرع الشيء على وجهه ، وقيل : إن كبته يكون بمعنى كبده أي أصاب كبده كرآه بمعنى أصاب رئته ، ومنه قوله المتنبي :

لأكبت حاسداً وأرى عدوا *** كأنهما وداعك والرحيل

والآية محمولة على ذلك ، ويؤيد هذا القول أنه قرىء ( و يكبدهم ) وأو للتنويع دون الترديد لوقوع الأمرين { فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِينَ } أي فينهزموا منقطعي الآمال فالخيبة انقطاع الأمل ، وفرقوا بينها وبين اليأس بأن الخيبة لا تكون إلا بعد الأمل ، واليأس يكون بعده وقبله ، ونقيض الخيبة الظفر ، ونقيض اليأس الرجاء .

( هذا ومن باب الإشارة ) :{ لِيَقْطَعَ } أي يهلك { طَرَفاً مّنَ الذين كَفَرُواْ } وهم أعداء الله تعالى { أَوْ يَكْبِتَهُمْ } يخزيهم ويذلهم { فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِينَ } [ آل عمران : 127 ] فيرجعوا غير ظافرين بما أملوا