قوله : { لِيَقْطَعَ } في متعلق هذه اللام سبعة أوجه :
أحدها : أنها متعلقة بقوله : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ } قاله الحوفيّ ، وفيه بُعْدٌ ؛ لطول الفَصْل .
الثاني : أنها متعلقة بالنصر في قوله : { وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ } والمعنى : أن المقصود من نصركم ، هو أن تقطعوا طرفاً من الذين كفروا ، أي : تملكوا طائفة منهم ، وتقتلوا قطعة منهم ، وفي هذا نظر من حيث إنه قد فصل بين المصدر ومتعلقه بأجنبيّ ، وهو الخبر .
الثالث : أنها متعلقة بما تعلَّق به الخبر ، وهو قوله : { مِنْ عِندِ اللَّهِ } ، والتقدير : وما النصر إلا كائن ، أو إلا مستقر من عند الله ليقطع .
والرابع : أنها متعلقة بمحذوف ، تقديره : أمَدَّكُم ، أو نَصَرَكُم ، ليقطَعَ .
الخامس : أنها معطوفة على قوله : " ولتطمئن " حذف حرف العطف لفهم المعنى ؛ لأنه إذا كان البعض قريباً من البعض جاز حذف العاطف ، كقوله :
{ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ } [ الكهف : 22 ] وقول السيد لعبده : أكرمتك لتخدمني ، لتعينني ، لتقوم بخدمتي ، فحذف العاطف لقُرْب البعض من البعض ، فكذا هنا وعلى هذا فتكون الجملة في قوله : { وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ } اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه ، وهو ساقط الاعتبار .
السادس : أنها متعلقة بالجَعْل قاله ابن عطية .
السابع : أنها متعلقة بقوله : { يُمْدِدْكُمْ } وفيه بُعْدٌ ؛ للفواصل بينهما .
والطرف : المراد به : جماعة ، وطائفة ، وإنما حَسُنَ ذِكْر الطرف - هنا- ولم يحسن ذكر الوسط ؛ لأنه لا وصول إلى الوَسَطِ إلا بعد الأخذ من الطرف ، وهذا يوافق قوله تعالى : { قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُمْ } [ التوبة : 123 ] وقوله : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } [ الرعد : 41 ] .
قوله : { مِّنَ الَّذِينَ } يجوز أن يكون متعلِّقاً بالقَطْع ، فتكون " مِنْ " لابتداء الغاية ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف ، على أنه صفة ل " طَرَفاً " وتكون " مِنْ " للتبعيض .
قوله : { أَوْ يَكْبِتَهُمْ } عطف على " لِيَقْطَعَ " .
و " أو " ؛ قيل : على بابها من التفصيل ، أي : ليقطع طرفاً من البعض ، ويكبت بعضاً آخرين .
وقيل : بل هي بمعنى الواو ، أي : يجمع عليهم الشيئين .
وقيل : هو الصَّرع للوجْه واليدين ، وعلى هذين فالتاء أصلية ، ليست بدلاً من شيء ، بل هي مادة مستقلة .
وقيل : أصله من كبده ، إذا أصابه بمكروه أثر في كبده وَجَعاً ، كقولك : رأسته ، أي : أصبت رأسه ، ويدل على ذلك قراءة لاحق بن حُمَيد : أو يكبدَهم - بالدال - والعرب تُبْدِل التاء من الدال ، قالوا : هَرَتَ الثوبَ ، وهردَه ، وسَبَتَ رأسَه ، وسَبَدَه - إذا حَلَقَه- .
وقد قيل : إنّ قراءة لاحق أصلها التاء ، وإنما أُبدِلت دالاً ، كقولهم : سبد رأسه ، وهرد الثوب ، والأصل فيهما التاء .
معنى قوله : { لِيَقْطَعَ طَرَفًا } أي : ليُهْلِكَ طائفة .
وقال السُّدِّيُّ : لِيَهْدِمَ رُكْناً من أركان الشرك بالقتل والأسر ، فقُتِل من قادتهم وسادتهم يوم بدر - سبعون ، وأُسِر سبعون ، ومَنْ حَمَل الآيةَ على أحُد ، فقد قُتِل منهم يومئذ ستة عشر ، وكانت النُّصرة للمسلمين ، حتى خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانقلبت عليهم{[5904]} .
قال الكلبي : يهزمهم{[5905]} .
وقال أبو عبيدة : يُهْلِكهم ويصرعهم على وجوههم{[5906]} .
وقيل{[5907]} : يُخْزِيهم والمكبوت الحزين .
وقيل : يَغِيظهم{[5908]} .
قوله : { فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ } لن ينالوا خيراً مما كانوا يرجون من الظفر بكم .
والخيبة لا تكون إلا بعد التوقُّع ، وأما اليأس فإنه يكون بعد التوقُّع وقبلَه ، فنقيض اليأس الرجاء ، ونقيض الخيبة : الظفر يقال : خَابَ يَخِيبُ خَيْبَةً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.