اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لِيَقۡطَعَ طَرَفٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡ يَكۡبِتَهُمۡ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ} (127)

قوله : { لِيَقْطَعَ } في متعلق هذه اللام سبعة أوجه :

أحدها : أنها متعلقة بقوله : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ } قاله الحوفيّ ، وفيه بُعْدٌ ؛ لطول الفَصْل .

الثاني : أنها متعلقة بالنصر في قوله : { وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ } والمعنى : أن المقصود من نصركم ، هو أن تقطعوا طرفاً من الذين كفروا ، أي : تملكوا طائفة منهم ، وتقتلوا قطعة منهم ، وفي هذا نظر من حيث إنه قد فصل بين المصدر ومتعلقه بأجنبيّ ، وهو الخبر .

الثالث : أنها متعلقة بما تعلَّق به الخبر ، وهو قوله : { مِنْ عِندِ اللَّهِ } ، والتقدير : وما النصر إلا كائن ، أو إلا مستقر من عند الله ليقطع .

والرابع : أنها متعلقة بمحذوف ، تقديره : أمَدَّكُم ، أو نَصَرَكُم ، ليقطَعَ .

الخامس : أنها معطوفة على قوله : " ولتطمئن " حذف حرف العطف لفهم المعنى ؛ لأنه إذا كان البعض قريباً من البعض جاز حذف العاطف ، كقوله :

{ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ } [ الكهف : 22 ] وقول السيد لعبده : أكرمتك لتخدمني ، لتعينني ، لتقوم بخدمتي ، فحذف العاطف لقُرْب البعض من البعض ، فكذا هنا وعلى هذا فتكون الجملة في قوله : { وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ } اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه ، وهو ساقط الاعتبار .

السادس : أنها متعلقة بالجَعْل قاله ابن عطية .

السابع : أنها متعلقة بقوله : { يُمْدِدْكُمْ } وفيه بُعْدٌ ؛ للفواصل بينهما .

والطرف : المراد به : جماعة ، وطائفة ، وإنما حَسُنَ ذِكْر الطرف - هنا- ولم يحسن ذكر الوسط ؛ لأنه لا وصول إلى الوَسَطِ إلا بعد الأخذ من الطرف ، وهذا يوافق قوله تعالى : { قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُمْ } [ التوبة : 123 ] وقوله : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } [ الرعد : 41 ] .

قوله : { مِّنَ الَّذِينَ } يجوز أن يكون متعلِّقاً بالقَطْع ، فتكون " مِنْ " لابتداء الغاية ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف ، على أنه صفة ل " طَرَفاً " وتكون " مِنْ " للتبعيض .

قوله : { أَوْ يَكْبِتَهُمْ } عطف على " لِيَقْطَعَ " .

و " أو " ؛ قيل : على بابها من التفصيل ، أي : ليقطع طرفاً من البعض ، ويكبت بعضاً آخرين .

وقيل : بل هي بمعنى الواو ، أي : يجمع عليهم الشيئين .

والكبت : الإصابة بمكروه .

وقيل : هو الصَّرع للوجْه واليدين ، وعلى هذين فالتاء أصلية ، ليست بدلاً من شيء ، بل هي مادة مستقلة .

وقيل : أصله من كبده ، إذا أصابه بمكروه أثر في كبده وَجَعاً ، كقولك : رأسته ، أي : أصبت رأسه ، ويدل على ذلك قراءة لاحق بن حُمَيد : أو يكبدَهم - بالدال - والعرب تُبْدِل التاء من الدال ، قالوا : هَرَتَ الثوبَ ، وهردَه ، وسَبَتَ رأسَه ، وسَبَدَه - إذا حَلَقَه- .

وقد قيل : إنّ قراءة لاحق أصلها التاء ، وإنما أُبدِلت دالاً ، كقولهم : سبد رأسه ، وهرد الثوب ، والأصل فيهما التاء .

فصل

معنى قوله : { لِيَقْطَعَ طَرَفًا } أي : ليُهْلِكَ طائفة .

وقال السُّدِّيُّ : لِيَهْدِمَ رُكْناً من أركان الشرك بالقتل والأسر ، فقُتِل من قادتهم وسادتهم يوم بدر - سبعون ، وأُسِر سبعون ، ومَنْ حَمَل الآيةَ على أحُد ، فقد قُتِل منهم يومئذ ستة عشر ، وكانت النُّصرة للمسلمين ، حتى خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانقلبت عليهم{[5904]} .

{ أَوْ يَكْبِتَهُمْ } .

قال الكلبي : يهزمهم{[5905]} .

وقال السُّدي : يلعنهم .

وقال أبو عبيدة : يُهْلِكهم ويصرعهم على وجوههم{[5906]} .

وقيل{[5907]} : يُخْزِيهم والمكبوت الحزين .

وقيل : يَغِيظهم{[5908]} .

وقيل : يُذلهم .

قوله : { فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ } لن ينالوا خيراً مما كانوا يرجون من الظفر بكم .

والخيبة لا تكون إلا بعد التوقُّع ، وأما اليأس فإنه يكون بعد التوقُّع وقبلَه ، فنقيض اليأس الرجاء ، ونقيض الخيبة : الظفر يقال : خَابَ يَخِيبُ خَيْبَةً .

و { خَآئِبِينَ } نُصِبَ على الحال .


[5904]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (7/193) عن السدي وذكره أبو حيان في "البحر المحيط" (3/55).
[5905]:ذكره أبو حيان في "البحر المحيط" (3/55) عن ابن عباس والزجاج.
[5906]:ينظر المصدر السابق.
[5907]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (7/193- 194) عن قتادة والربيع وأخرجه ابن المنذر عن مجاهد كما في "الدر المنثور" (2/126).
[5908]:ذكره أبو حيان في "البحر المحيط" (3/55) عن النضر بن شميل.