البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لِيَقۡطَعَ طَرَفٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡ يَكۡبِتَهُمۡ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ} (127)

الطرف : جانب الشيء الأخير ، ثم يستعمل للقطعة من الشيء ، وإنْ لم يكن جانباً أخيراً .

الكبت : الهزيمة .

وقيل : الصرع على الوجه أو إلى اليدين .

وقال النقاش وغيره : التاء بدل من الدال .

أصله : كبده ، أي فعل فعلاً يؤذي كبده .

الخيبة : عدم الظفر بالمطلوب .

{ ليقطع طرفاً من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين } الطرف : من قتل ببدر هم سبعون من رؤساء قريش ، أو من قتل بأحد وهم إثنان وعشرون رجلاً على الصحيح .

وقال السدي : ثمانية عشر ، أو مجموع المقتولين في الوقعتين ثلاثة أقوال .

وكنى عن الجماعة بقوله : طرفاً ، لأن من قتله المسلمون في حرب هم طرف من الكفار ، إذ هم الذين يلون القاتلين ، فهم حاشية منهم .

فكان جميع الكفار رفقة ، وهؤلاء المقتولون طرفاً منها .

قيل : ويحتمل أن يراد بقوله : طرفاً دابراً أي آخراً ، وهو راجع لمعنى الطرف ، لأن آخر الشيء طرف منه { أو يكبتهم } : أي ليخزيهم ويغيظهم ، فيرجعوا غير ظافرين بشيء مما أملوه .

ومتى وقع النصر على الكفار ، فإما بقتل ، وإما بخيبة ، وإما بهما .

وهو كقوله : { ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً } وقرأ الجمهور أو تكبتهم بالتاء .

وقرأ لاحق بن حميد : أو يكبدهم بالدال مكان التاء ، والمعنى : يصيب الحزن كبدهم .

وللمفسرين في يكبتهم أقوال : يهزمهم قاله : ابن عباس والزجاج ، أو يخزيهم قاله : قتادة ومقاتل ، أو يصرعهم قاله .

أبو عبيدة واليزيدي ، أو يهلكهم قاله : أبو عبيدة .

أو يلعنهم قاله : السدي .

أو يظفر عليهم قاله : المبرد .

أو يغيظهم قاله : النضر بن شميل ، واختاره ابن قتيبة .

وأما قراءة لاحق فهي من إبدال الدال بالتاء كما قالوا .

هوت الثوب وهرده إذا حرقه ، وسبت رأسه وسبده إذا حلقه ، فكذلك كبت العدو وكبده أي أصاب كبده .

واللام في ليقطع يتعلق قيل : بمحذوف تقديره أمدكم أو نصركم .

وقال الحوفي : يتعلق بقوله : { ولقد نصركم الله } أي نصركم ليقطع .

قال : ويجوز أن يتعلق بقوله : { وما النصر إلا من عند الله } .

ويجوز أن تكون متعلقة بيمددكم .

وقال ابن عطية : وقد يحتمل أن تكون اللام متعلقة بجعله ، وقيل : هو معطوف على قوله .

ولتطمئن ، وحذف حرف العطف منه ، التقدير : { ولتطمئن قلوبكم به } { وليقطع } ، وتكون الجملة من قوله : وما النصر إلا من عند الله اعتراضية بين المعطوف عليه والمعطوف .

والذي يظهر أنْ تتعلق بأقرب مذكور وهو : العامل من في عند الله وهو خبر المبتدأ .

كأنّ التقدير : وما النصر إلا كائن من عند الله ، لا من عند غيره .

لأحد أمرين : إما قطع طرف من الكفار بقتل وأسر ، وإما بخزي وانقلاب بخيبة .

وتكون الألف واللام في النصر ليست للعهد في نصر مخصوص ، بل هي للعموم ، أي : لا يكون نصر أي نصر من الله للمسلمين على الكفار إلا لأحد أمرين .

/خ132