الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَئِن قُتِلۡتُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوۡ مُتُّمۡ لَمَغۡفِرَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَحۡمَةٌ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ} (157)

قوله تعالى : { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ } : اللامُ هي الموطِّئةُ لقسمٍ محذوف ، وجوابُه قولُه : { لَمَغْفِرَةٌ } وحُذِفَ جوابُ الشرطِ لسدِّ جوابِ القسمِ مَسَدَّه لكونِه دالاًّ عليه ، وهو الذي عَنَاه الزمخشري بقوله : " وهو سادٌّ مسدَّ جوابِ الشرط " ولا يعني بذلك أنَّه من غيرِ حذفٍ . واللام لام الابتداء ، وهي وما بعدها جواب القسم كما تقدم .

و " مغفرةٌ " فيها وجهان ، أظهرهُما : أنها مرفوعةٌ بالابتداء ، والمسوِّغات هنا كثيرة : لام الابتداء والعطف عليها في قوله : { وَرَحْمَةٌ } ووصفُها ، فإنَّ قوله : { مِّنَ اللَّهِ } صفةٌ لها ، ويتعلق حينئذٍ بمحذوف ، و { خَيْرٌ } خبرٌ عنها . والثاني : أن تكونَ مرفوعة على خبر ابتداء مضمر ، إذا أُريد بالمغفرةِ والرحمةِ القتلُ أو الموتُ في سبيل الله ، لأنهما مقترنان بالموتِ في سبيلِ الله ، فيكونُ التقدير : فذلك أي الموتُ أو القتلُ في سبيلِ الله مغفرةٌ ورحمةٌ خير ، ويكون " خير " صفةً لا خبراً ، وإلى هذا نحا ابن عطية فإنه قال : " وتحتمل الآية أن يكونَ قولُه : { لَمَغْفِرَةٌ } إشارةً إلى الموت أو القتل في سبيل الله ، فَسَمَّى ذلك مغفرةً ورحمة ، إذ هما مقترنان به ، ويجيء التقدير : فذلك مغفرةٌ ورحمة ، وترتفعُ المغفرةُ على خبر الابتداء المقدر ، وقوله : " خير " صفةٌ لا خبرٌ ابتداء " انتهى . ولكنَّ الوجهَ الأولَ أظهرُ ، و " خير " هنا على بابِها من كونِها للتفضيلِ ، وعن ابن عباس : " خيرٌ من طِلاع الأرض ذهبةً حمراءَ " .

وقوله : { وَرَحْمَةٌ } أي : ورحمةٌ من الله ، فَحُذِفَتْ صفتُها لدلالة الأولى عليها ، ولا بُدَّ من حَذْفٍ آخر مُصَحِّحٍ للمعنى ، تقديرُه : لمغفرة من الله لكم ورحمةً منه لكم . وجاء بالمغفرةِ والرحمةِ نكرتين إيذاناً بأنَّ أَدنى خيرٍ وأقلَّ شيء خيرٌ من الدنيا وما فيها الذي يجمعونه ، وهو نظير { وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ } [ التوبة : 72 ] ، والتنكيرُ قد يُشْعِرُ بالتقليل ، و " ما " في قولِه { مِّمَّا يَجْمَعُونَ } موصولةٌ اسميةٌ والعائدُ محذوفٌ ، ويجوز أن تكونَ مصدريةً ، وعلى هذا فالمفعولُ محذوفٌ أي : مِنْ جَمْعِكم المالَ ونحوه .