قوله : { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ } اللام هي الموطئة لقسم محذوف ، وجوابه قوله : { لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } وحُذِفَ جوابُ الشرط ؛ لسَدِّ جواب القسم مسده ؛ لكونه دالاً عليه وهذا ما عناه الزمخشريُّ بقوله : وهو ساد مسدَّ جواب الشرط . ولا يعني بذلك أنه من غير حذف .
قوله : { أَوْ مُتُّمْ } قرأ نافع وحمزة والكسائي " مِتُّمْ " - بكسر الميم{[6130]} - والباقون بضمها ، فالضَّمُّ مِنْ مَاتَ يَمُوتُ مُتُّ - مثل : قَالَ يَقُولُ قُلْتُ ، ومن كسر ، فهو من مَاتَ يَماتُ مِتُّ ، مثل : هَابَ يَهَابُ هِبْتُ ، وخَاَفَ يَخَافُ خِفْتُ . روى المبرِّدُ هذه اللغة .
قال شهابُ الدينِ : وهو الصحيحُ من قول أهل العربية ، والأصل : مَوْتَ - بكسر العين - كخَوِفَ ، فجاء مضارعه على يَفْعَل - بفتح العين - .
بُنَيَّتِي يَا أسْعَدَ الْبَنَاتِ *** عِيشي ، وَلاَ نأمَنُ أنْ تَمَاتِي{[6131]}
فجاء بمضارعِهِ على يَفْعَل - بالفتح - فعلى هذه اللغة يلزم أن يقال في الماضي المسند إلى التاء ، أو إحدى أخواتها : مِتُّ -بالكسر ليس إلا- وهو أنا نقلنا حركة الواو إلى الفاء بعد سلب حركتها ، دلالة على بنية الكلمة في الأصل ، هذا أوْلَى من قول من يقول : إن مِتُّ - بالكسر - مأخوذة من لغة من يقول يموت - بالضم في المضارع - وجعلوا ذلك شاذاً في القياس كثيراً في الاستعمال ، كالمازني وأبي علي الفارسي - ونقله بعضُهُمْ عن سيبويه صريحاً ، وإذا ثبت ذلك لغةً ، فلا معنى إلى ادَّعاء الشذوذ فيه .
قوله : { لَمَغْفِرَةٌ } اللام لامُ الابتداءِ ، وهي ما بعدها جواب القسم - كما تقدم - وفيها وجهان :
الأول - وهو الأظهر - : أنها مرفوعة بالابتداء ، والمسوِّغات - هنا - كثيرة : لام الابتداء ، والعطف عليها في قوله : { وَرَحْمَةٌ } ووصفها ، فإن قوله { مِّنَ اللَّهِ } صفة لها ، ويتعلق - حينئذٍ – بمحذوف ، و " خيرٌ " خبر عنها .
والثاني : أن تكون مرفوعةً على خبر ابتداءٍ مُضْمَرٍ - إذا أُرِيدَ بالمغفرة والرحمة القتل ، أو الموت في سبيل الله ؛ لأنهما مقترنان بالموت في سبيل الله - فيكون التقدير : فذلك ، أي : الموت أو القتل في سبيل الله - مغفرة ورحمة خير ، ويكون " خيرٌ " صفة لا خبراً ، وإلى هذا نحا ابنُ عطيةَ ؛ فإنه قال : وتحتمل الآية أن يكون قوله : { لَمَغْفِرَةٌ } إشارة إلى الموت ، أو القتل في سبيل الله ، فسمى ذلك مغفرة ورحمة ؛ إذ هما مقترنان به ، ويجيء التقديرُ : لذلك مغفرةٌ ورحمةٌ ، وترتفع المغفرةُ على خبر الابتداء المقدر ، وقوله : " خير " صفة لا خبر ابتداء انتهى ، والأول أظهر . و " خير " - هنا - على بابها من كونها للتفضيل وعن ابن عباسٍ : خير من طلاع الأرض ذهبة حمراء .
قال ابن الخطيبِ : " والأصوب - عندي - أن يقال : إن هذه اللام في " المغفرة " للتأكيد ، فيكون المعنى : إن وجب أن تموتوا ، أو تُقْتَلوا ، في سفركم أو غزوكم ، فكذلك وجب أن تفوزوا بالمغفرة - أيضاً - فلماذا تَحْتَرزون عنه ؟ كأنه قيل : إن الموت والقتل غير لازم الحصولِ ، ثُمَّ بتقدير أن يكون لازماً ، فإنه يستعقب لزوم المغفرةِ ، فكيف يليق بالعاقل أن يحترز عنه " ؟
قوله : { وَرَحْمَةٌ } أي : ورحمة من الله ، فحذف صفتها لدلالة الأولى عليها ، ولا بُدَّ من حذف آخر ، مصحِّح للمعنى ، وتقديره : لمغفرةٌ لكم من الله ، ورحمة منه لكم .
فإن قيل : المغفرة هي الرحمة ، فلِمَ كرَّرها ، ونكَّرَها ؟
فالجوابُ : أما التنكير فإن ذلك إيذان بأن أدنى خير أقل شيءٍ خير من الدنيا وما فيها ، وهو المراد بقوله : " مما تجمعون " ونظيره قوله تعالى : { وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ }
[ التوبة : 72 ] والتنكير قد يشعر بالتقليل ، وأما التكرير فلا نسلمه ؛ لأن المغفرة مرتبة على الرحمة ، فيرحم ، ثم يغفر .
قوله : " مما يجمعون " " ما " موصولة اسمية ، والعائدُ محذوفٌ ، ويجوز أن تكون مصدرية .
وعلى هذا فالمفعول به محذوف ، أي : من جمعكم المال ونحو .
وقراءة الجماعة " تجمعون " - بالخطاب - جَرياً على قوله : " ولئن قتلتم " وحفص - بالغيبة{[6132]} - إما على الرجوع على الكفار المتقدمين ، وإما على الالتفات من خطاب المؤمنين .
فإن قيل : ههنا ثلاثة مواضع ، تقدم الموت على القتل في الأول والأخير ، وقُدِّم القتل على الموت في المتوسط فما الحكمةُ في ذلك ؟
فالجوابُ : أن الأولَ لمناسبة ما قبله ، من قوله : { إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى } فرجع الموت لمن ضرب في الأرض ، والقتل لمن غزا ، وأما الثاني فلأنه مَحَلّ تحريض على الجهادِ ، فقُدِّمَ الأهَمّ الأشرف ، وأما الأخير فلأن الموت أغلب .
فإن قيل : كيف تكون المغفرة موصوفة بأنها خير مما يجمعون ولا خير فيما يجمعونه أصلاً .
فالجوابُ : أنَّ الذي يجمعونه في الدُّنيا قد يكون من الحلال الذي يُعَدُّ خيراً ، وأيضاً هذا واردٌ على حسب قولهم ومُعْتَقَدهم أن تلك الأموال خيرات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.