روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{يَحۡسَبُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ لَمۡ يَذۡهَبُواْۖ وَإِن يَأۡتِ ٱلۡأَحۡزَابُ يَوَدُّواْ لَوۡ أَنَّهُم بَادُونَ فِي ٱلۡأَعۡرَابِ يَسۡـَٔلُونَ عَنۡ أَنۢبَآئِكُمۡۖ وَلَوۡ كَانُواْ فِيكُم مَّا قَٰتَلُوٓاْ إِلَّا قَلِيلٗا} (20)

{ يَحْسَبُونَ الاحزاب لَمْ يَذْهَبُواْ } أي هم من الجزع والدهشة لمزيد جبنهم وخوفهم بحيث هزم الله تعالى الأحزاب فرحلوا وهم يظنون أنه لم يرحلوا ، وقيل : المراد هؤلاء لجبنهم يحسبون الأحزاب لم ينهزموا وقد انهزموا فانصرفوا عن الخندق راجعين إلى المدينة لذلك ، وهذا إن صحت فيه رواية فذاك وإلا فالظاهر أنه مأخوذ من قوله تعالى : { والقائلين لإخوانهم هَلُمَّ إِلَيْنَا } [ الأحزاب : 18 ] لدلالته ظاهراً على أنهم خارجون عن معسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثون إخوانهم على اللحاق بهم ، وكون المراد هلموا إلى رأينا أو إلى مكاننا الذي هو في طرف لا يصل إليه السهم خلاف الظاهر ، وكذا من قوله سبحانه : { وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ } على ما هو الظاهر أيضاً إذ يبعد حمله على اتحاد المكان ولو في الخندق { وَإِن يَأْتِ الاحزاب } كرة ثانية { يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ في الاعراب } تمنوا أنهم خارجون إلى البد وحاصلون مع الأعراب وهم أهل العمود ، وقرأ عبد الله . وابن عباس . وابن يعمر . وطلحة { بدي } جمع باد كغاز وغزى وليس بقياس في معتل اللام وقيام فعلة كقاض وقضاة ؛ وفي رواية أخرى عن ابن عباس { بدوا } فعلاً ماضياً ، وفي رواية صاحب الإقليد { بدي } بوزن عدي { وَهُمْ يُسْئَلُونَ } أي كل قادم من جانب المدينة { عَنْ أَنبَائِكُمْ } عما جرى عليكم من الأحزاب يتعرفون أحوالكم بالاستخبار لا بالمشاهدة فرقاً وجبناً ، واختيار البداوة ليكونوا سالمين من القتال ، والجملة في موضع الحال من فاعل بادون ، وحكى ابن عطية أن أبا عمرو . وعاصماً . والأعمش { قرؤا } يسلون بغير همز نحو قوله تعالى : { الامور سَلْ بَنِى إسرائيل } [ البقرة : 211 ] ولم يعرف ذلك عن أبي عمرو وعاصم ، ولعل ذلك في شاذهما ونقلها «صاحب اللوامح » عن الحسن . والأعمش ، وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما . وقتادة . والجحدري . والحسن . ويعقوب بخلاف عنهما { يساءلون } بتشديد السين والمد وأصله يتساءلون فأدغمت التاء في السين أي يسأل بعضهم بعضاً أي قول بعضهم لبعض : ماذا سمعت وماذا بغلك ؟ أو يتساءلون الإعراب أي يسألونهم كما تقول : رأيت الهلال وتراءيته وأبصرت زيداً وتباصرته { أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ } أي في هذه الكرة المفروضة بقوله تعالى : { وَإِن يَأْتِ الاحزاب أَوْ لَّوْ كَانُواْ فيكُمْ } في الكرة الأولى السابقة ولم يرجعوا إلى داخل المدينة وكانت محاربة بالسيوف ومبارزة الصفوف { مَّا قَاتَلُواْ إِلاَّ قَلِيلاً } رياء وسمعة وخوفاً من التعبير قال مقاتل والجياني والبعلبكي : هو قليل من حيث هو رياء ولو كان الله تعالى كان كثيراً .