السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَحۡسَبُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ لَمۡ يَذۡهَبُواْۖ وَإِن يَأۡتِ ٱلۡأَحۡزَابُ يَوَدُّواْ لَوۡ أَنَّهُم بَادُونَ فِي ٱلۡأَعۡرَابِ يَسۡـَٔلُونَ عَنۡ أَنۢبَآئِكُمۡۖ وَلَوۡ كَانُواْ فِيكُم مَّا قَٰتَلُوٓاْ إِلَّا قَلِيلٗا} (20)

وقوله تعالى : { يحسبون الأحزاب لم يذهبوا } يجوز أن يكون مستأنفاً أي : هم من الخوف بحيث أنهم لا يصدقون أن الأحزاب قد ذهبوا عنهم ، ويجوز أن يكون حالاً من أحد الضمائر المتقدمة إذا صح المعنى بذلك ولو بعد العامل . قاله أبو البقاء .

والمعنى : أن هؤلاء المنافقين يحسبون الأحزاب يعني قريشاً وغطفان واليهود ولم يتفرقوا عن قتالهم من غاية الجبن عند ذهابهم كأنهم غائبون حيث لا يقاتلون كقوله تعالى { ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلاً } ( الأحزاب : 20 ) وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بفتح السين والباقون بالكسر { وإن يأت الأحزاب } بعدما ذهبوا كرة أخرى { يودوا } أي : يتمنوا { لو أنهم بادون في الأعراب } أي : كائنون في البادية بين الأعراب الذين هم عندهم في محل نقص وممن تكره مخالطته ، ثم ذكر حال فاعل بادون بقوله تعالى : { يسألون } كل وقت { عن أنبائكم } أي : أخباركم العظيمة مع الكفار وما آل إليه أمركم جرياً على ما هم عليه من النفاق ليبقوا لهم عندكم وجهاً ، كأنهم مهتمون بكم يظهرون بذلك تحرقاً على غيبتهم عن هذه الحرب { ولو } أي : والحال أنهم لو { كانوا } هؤلاء المنافقون { فيكم } هذه الكرة ولم يرجعوا إلى المدينة ، وكان قتال { ما قاتلوا } معكم { إلا قليلاً } نفاقاً كما فعلوا قبل ذهاب الأحزاب من حضورهم معكم تارة واستئذانهم في الرجوع إلى منازلهم أخرى .