تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَحۡسَبُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ لَمۡ يَذۡهَبُواْۖ وَإِن يَأۡتِ ٱلۡأَحۡزَابُ يَوَدُّواْ لَوۡ أَنَّهُم بَادُونَ فِي ٱلۡأَعۡرَابِ يَسۡـَٔلُونَ عَنۡ أَنۢبَآئِكُمۡۖ وَلَوۡ كَانُواْ فِيكُم مَّا قَٰتَلُوٓاْ إِلَّا قَلِيلٗا} (20)

الآية 20 وقوله تعالى : { يحسبون الأحزاب لم يذهبوا } أي يحسب هؤلاء المنافقون أن الأحزاب لم يذهبوا من الفرق والجبن والفشل الذي فيهم يوم الخندق { وإن يأت الأحزاب } أي يقبل الأحزاب { يودوا لو أنفسهم بادون في الأعراب يسألون } أي بألسنتهم كانوا بمنزلة البداء وإنهم تركوا أوطانهم وديارهم { يسألون على أنبائكم } .

كان همهم( {[16544]} ) التخلف والفرار من القتال وطلب أخبار المؤمنين أنهم ما فعل بهم نحو ما قال : { ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون } { لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون } [ التوبة : 56 و57 ] .

هكذا كانت عادتهم ، ثم ابتلاهم الله بما كانوا يظهرون الموافقة للمؤمنين ، ويضمرون الخلاف لهم والعداوة بفضل فشل وجبن ، وما لم يكن ذلك في غيرهم .

ففي ذلك تحذير للمؤمنين وزجر عن مثل هذا الصنيع ومثل هذه المعاملة لئلا يبتلوا بمثل ما ابتلي أولئك .

وفيه أنه يعامل بعضهم بعضا على الظاهر الذي ظهر دون حقيقة ما يكون . وعلى ذلك يجري الحكم على ما عامل رسول الله وأصحابه( {[16545]} ) أهل النفاق . وحكمه على ما أظهروا دون ما أضمروا في الأنكحة والصهر وغير ذلك من الأحكام ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا } قال بعضهم : { ما قاتلوا إلا قليلا } [ أي إلا ]( {[16546]} ) في ما يدفعون عن أنفسهم لو قصدوا . فأما الدفع عن المؤمنين ودينهم فلا .

وجائز أن يكون المراد بالقليل [ ألا يقاتلوا ]( {[16547]} ) البتة حقيقة القتال ، وهو ما ذكر عنهم حين قال : { لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا } [ التوبة : 47 ] أي فسادا في أمركم ، والله أعلم . /425-ب/ .


[16544]:في الأصل وم: همتهم.
[16545]:من م، في الأصل: أصحاب.
[16546]:من م، في الأصل: أي إلا قليلا أي.
[16547]:في الأصل وم: أي لا يقاتلون.