الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَحۡسَبُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ لَمۡ يَذۡهَبُواْۖ وَإِن يَأۡتِ ٱلۡأَحۡزَابُ يَوَدُّواْ لَوۡ أَنَّهُم بَادُونَ فِي ٱلۡأَعۡرَابِ يَسۡـَٔلُونَ عَنۡ أَنۢبَآئِكُمۡۖ وَلَوۡ كَانُواْ فِيكُم مَّا قَٰتَلُوٓاْ إِلَّا قَلِيلٗا} (20)

قوله : { يَحْسَبُونَ } : يجوزُ أَنْ يكونَ مستأنفاً أي : هم من الخوفِ بحيث إنهم لا يُصَدِّقُوْن أن الأحزابَ قد ذهبوا عنهم . ويجوزُ أَنْ يكونَ حالاً مِنْ أحدِ الضمائر المتقدمةِ إذا صَحَّ المعنى بذلك ، ولو بَعُدَ العاملُ ، كذا قال أبو البقاء .

قوله : " بادُوْن " هذه قراءةُ العامَّةِ جمعُ بادٍ . وهو المُقيم بالباديةِ . وقرأ عبد الله وابن عباس وطلحة وابن يعمر " بُدَّى " بضم الباءِ وتشديدِ الدالِ مقصوراً كغازٍ وغُزَّى ، وسارٍ وسُرَّى . وليس بقياسٍ . وإنما قياسُه في التكسير " بُداة " كقُضاة وقاضٍ . ولكنْ حُمِلَ على الصحيح كقولِهم : " ضُرَّب " . ورُوِي عن ابن عباس أيضاً قراءةٌ ثانيةٌ " بَدِيْ " بزنةِ عَدِي ، وثالثةٌ " بَدَوْا " فعلاً ماضياً .

قوله : " يَسْألون " يجوز أَنْ يكونَ مستأنفاً ، وأن يكونَ حالاً مِنْ فاعِل " يَحْسَبُون " . والعامَّةُ على سكونِ السين بعدها همزةٌ . ونَقَل ابن عطية عن أبي عمرو وعاصم بنَقْلِ حركةِ الهمزةِ إلى السينِ كقولِه : { سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ } [ البقرة : 211 ] . وهذه ليسَتْ بالمشهورةِ عنهما ، ولعلها نُقِلَتْ عنهما شاذَّةً ، وإنما هي معروفةٌ بالحَسَنِ والأعمش . وقرأ زيد بن علي والجحدري وقتادة والحسن " يَسَّاءَلُون " بتشديدِ السين والأصلُ : يتساءَلون فأدغم أي : يَسْأَلُ بعضُهم بعضاً .