روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{قُلۡ إِن ضَلَلۡتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىٰ نَفۡسِيۖ وَإِنِ ٱهۡتَدَيۡتُ فَبِمَا يُوحِيٓ إِلَيَّ رَبِّيٓۚ إِنَّهُۥ سَمِيعٞ قَرِيبٞ} (50)

{ قُلْ إِن ضَلَلْتُ } عن الحق { فَإِنَّمَا أَضِلُّ على نَفْسِى } أي عائداً ضرر ذلك ووباله عليها فإنها الكاسبة للشرور والأمارة بالسوء { وَإِنِ اهتديت } إلى الحق { فَبِمَا يُوحِى إِلَىَّ رَبّى } فإن الاهتداء بهدايته تعالى وتوفيقه عز وجل ، وما موصولة أو مصدرية ، وكان الظاهر وإن اهتديت فلها كقوله تعالى : { مَّنْ عَمِلَ صالحا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا } [ فصلت : 6 4 ] أو إن ضللت فإنما أضل بنفسي ليظهر التقابل لكنه عدل عن ذلك اكتفاء بالتقابل بحسب المعنى لأن الكلام عليه أجمع فإن كل ضرر فهو من النفس وبسببها وعليها وباله ، وقد دل لفظ على في القرينة الأولى على معنى اللام في الثانية والباء في الثانية على معنى السببية في الأولى فكأنه قيل : قل إن ضللت فإنما أضل بسبب نفسي على نفسي وإن اهتديت فإنما اهتدى لنفسي بهداية الله تعالى وتوفيقه سبحانه ، وعبر عن هذا { بِمَا يوحي إِلَىَّ رَبّي } لأنه لازمه ، وجعل على للتعليل وإن ظهر عليه التقابل ارتكاب لخلاف الظاهر من غير نكتة .

وجوز أن يكون معنى القرينة الأولى قل إن ضللت فإنما أضل علي لا على غيري ، ولا يظهر عليه أمر التقابل مطلقاً ، والحكم على ما قال الزمخشري عام وإنما أمر صلى الله عليه وسلم أن يسنده إلى نفسه لأن الرسول إذا دخل تحته مع جلالة محله وسداد طريقته كان غيره أولى به ، وقال الإمام : أي إن ضلال نفسي كضلالكم لأنه صادر من نفسي ووباله عليها وأما اهتدائي فليس كاهتدائكم بالنظر والاستدلال وإنما هو بالوحي المنير فيكون مجموع الحكمين عنده مختصاً به عليه الصلاة والسلام ، وفيما ذكره دلالة على ما قال الطيبي على أن دليل النقل أعلى وأفخم من دليل العقل وفيه بحث . وقرأ الحسن . وابن وثاب . وعبد الرحمن المقري { ضَلَلْتُ } بكسر اللام و { أَضَلَّ } بفتح الضاد وهي لغة تميم ، وكسر عبد الرحمن همزة { أَضَلَّ } وقرئ { رَبّى } بفتح الياء { إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ } فلا يخفى عليه سبحانه قول كل من المهتدي والضال وفعله وإن بالغ في إخفائهما فيجازى كلاً بما يليق .

ومن باب الإشارة : { قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ على نَفْسِى } إن النفس لأمارة بالسوء { وَإِنِ اهتديت فَبِمَا يُوحِى إلى رَبّى } [ سبأ : 0 5 ] من القرآن وفيه إشارة إلى أنه نور لا يبقى معه ديجور أو مراتب الاهتداء به متفاوتة حسب تفاوت الفهم الناشئ من تفاوت صفاء الباطن وطهارته ، وقد ورد أن للقرآن ظاهراً وباطناً ولا يكاد يصل الشخص إلى باطنه لا بتطهير باطنه كما يرمز إليه قوله تعالى : { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون } [ الواقعة : 9 7 ] نسأل الله تعالى أن يوفقنا لفهم ظاهره وباطنه إلى ما شاء من البطون فإنه جل وعلا القادر الذي يقول للشيء كن فيكون .