السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قُلۡ إِن ضَلَلۡتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىٰ نَفۡسِيۖ وَإِنِ ٱهۡتَدَيۡتُ فَبِمَا يُوحِيٓ إِلَيَّ رَبِّيٓۚ إِنَّهُۥ سَمِيعٞ قَرِيبٞ} (50)

ولما لم يبق بعد هذا إلا أن يقولوا عناداً أنت ضال ليس بك جنون ولا كذب ، ولكنك قد عرض لك ما أضلك عن الجمعة قال تعالى : { قل } أي : لهؤلاء المعاندين على سبيل الاستعطاف بما في قولك من الإنصاف وتعليم الأدب { إن ضللت } أي : عن الطريق على سبيل الفرض { فإنما أضل على نفسي } أي : إثم إضلالي عليها { وإن اهتديت فبما } أي : فاهتدائي إنما هو بما { يوحي إلي ربي } أي : المحسن إلي من القرآن والحكمة لا بغيره فلا يكون فيه ضلال لأنه لاحظ للنفس فيه أصلاً ، فإن قيل : أين التقابل بين قوله تعالى : { فإنما أضل على نفسي } وقوله تعالى : { فبما يوحي إلى ربي } وإنما كان يقال : فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فإنما اهتدى لها كقوله تعالى { من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها } ( فصلت : 46 ) وقوله تعالى : { فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها } ( الزمر : 41 ) أو يقال فإنما أضل نفسي أجيب : بأنهما متقابلان من جهة المعنى لأن النفس كل ما عليها فهو بسببها لأنها الأمارة بالسوء وما لها مما ينفعها فبهداية ربه وتوفيقه وهذا حكم عام لكل مكلف ، وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسنده إلى نفسه لأن الرسول إذا دخل تحته مع جلاله محله وسداد طريقه كان غيره أولى به ، وفتح الياء من ربي عند الوصل نافع وأبو عمرو الباقون بالسكون وهم على مراتبهم في المد ، ثم علل الضلال والهداية بقوله تعالى : { إنه } أي : ربي { سميع } أي : لكل ما يقال { قريب } أي : يدرك قول كل ضال ومهتد وفعله وإن أخفاه .