روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ وَٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۖ وَهَمَّتۡ كُلُّ أُمَّةِۭ بِرَسُولِهِمۡ لِيَأۡخُذُوهُۖ وَجَٰدَلُواْ بِٱلۡبَٰطِلِ لِيُدۡحِضُواْ بِهِ ٱلۡحَقَّ فَأَخَذۡتُهُمۡۖ فَكَيۡفَ كَانَ عِقَابِ} (5)

{ نُوحٍ والاحزاب مِن بَعْدِهِمْ } أي والذين تحزبوا واجتمعوا على معاداة الرسل عليهم السلام من قوم نوح كعاد وثمود . وقوم فرعون { وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ } من تلك الأمم { بِرَسُولِهِمْ } وقرأ عبد الله { برسولها } رعاية اللفظ الأمة { بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ } ليتمكنوا من إيقاع ما يريدون به من حبس وتعذيب وقتل وغيره ، فالأخذ كناية عن التمكن المذكور ، وبعضهم فسره بالاسر وهو قريب مما ذكر ، وقال قتادة : أي ليقتلوه { وجادلوا بالباطل } بما لا حقيقة له قيل هو قولهم : { مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا } [ يس : 15 ] والأولى أن يقال هو كل ما يذكرونه لنفي الرسالة وتحسين ما هم عليه ، وتفسيره بالشيطان ليس بشيء { لِيُدْحِضُواْ } ليزيلوا { بِهِ } أي بالباطل ، وقيل : أي بجدالهم بالباطل { الحق } الأمر الثابت الذي لا محيد عنه { فَأَخَذَتْهُمُ } بالاهلاك المستأصل لهم { فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } فانكم تمرون على ديارهم وترون أثره ، وهذا تقرير فيه تعجيب للسامعين مما وقع بهم ، وجوز أن يكون من عدم اعتبار هؤلاء ، واكتفى بالكسرة عن ياء الإضافة في عقاب لأنه فاصلة ، واختلف في المسبب عنه الأخذ المذكور فقيل : مجموع التكذيب والهم بالأخذ والجدال بالباطل ، واختار الزمخشري كونه الهم بالأخذ ، وقال في الكشف : وذلك لأن قوله تعالى : { وجادلوا بالباطل لِيُدْحِضُواْ } هو التكذيب بعينه والأخذ يشاكل الأخذ وإنما التكذيب موجب استحقاق العذاب الأخروي المشار إليه بعد ، ولا ينكر أن كليهما يقتضي كليهما لكن لما كان ملاءمة الأخذ للأخذ أتم والتكذيب للعذاب الأخروي أظهر أنه متعلق بالأخذ تنبيهاً على كمال الملاءمة ، ثم المجادلة العنادية ليس الغرض منها إلا الإيذاء فهي تؤكد الهم من هذا الوجه بل التكذيب أيضاً يؤكده ، والغرض من تمهيد قوله تعالى : { مَا يجادل } وذكر الأحزاب إلا لما بهذا المعنى ، ثم التصريح بقوله سبحانه : { وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ } يدل على ما اختاره دلالة بينه فلا حاجة إلى أن يعتذر بأنه إنما اعتبر هذا لا ما سيق له الكلام من المجادلة الباطلة للتسلي انتهى ، والانصاف إن فيما صنعه جار الله رعاية جانب المعنى ومناسبة لفظية إلا أن الظاهر هو التفريع على المجموع كما لا يخفى .