فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ وَٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۖ وَهَمَّتۡ كُلُّ أُمَّةِۭ بِرَسُولِهِمۡ لِيَأۡخُذُوهُۖ وَجَٰدَلُواْ بِٱلۡبَٰطِلِ لِيُدۡحِضُواْ بِهِ ٱلۡحَقَّ فَأَخَذۡتُهُمۡۖ فَكَيۡفَ كَانَ عِقَابِ} (5)

ثم بيّن حال من كان قبلهم ، وأن هؤلاء سلكوا سبيل أولئك في التكذيب ، فقال : { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ والأحزاب مِن بَعْدِهِمْ } الضمير في من بعدهم يرجع إلى قوم نوح ، أي : وكذبت الأحزاب الذين تحزّبوا على الرسل من بعد قوم نوح كعاد وثمود { وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ } أي همت كلّ أمة من تلك الأمم المكذبة برسولهم الذي أرسل إليهم ليأخذوه ؛ ليتمكنوا منه ، فيحبسوه ، ويعذبوه ، ويصيبوا منه ما أرادوا . وقال قتادة ، والسدّي : ليقتلوه ، والأخذ قد يرد بمعنى : الإهلاك ، كقوله : { ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } [ الحج : 44 ] والعرب تسمي الأسير : الأخيذ { وجادلوا بالباطل لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق } أي : خاصموا رسولهم بالباطل من القول ، ليدحضوا به الحق ؛ ليزيلوه ، ومنه مكان دحض ، أي : مزلقة ، ومزلة أقدام ، والباطل داحض ؛ لأنه يزلق ، ويزول ، فلا يستقرّ .

قال يحيى بن سلام : جادلوا الأنبياء بالشرك ؛ ليبطلوا به الإيمان { فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } أي فأخذت هؤلاء المجادلين بالباطل ، فكيف كان عقابي الذي عاقبتهم به ، وحذف ياء المتكلم من عقاب اجتزاء بالكسرة عنها وصلا ووقفا ؛ لأنها رأس آية .