البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ وَٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۖ وَهَمَّتۡ كُلُّ أُمَّةِۭ بِرَسُولِهِمۡ لِيَأۡخُذُوهُۖ وَجَٰدَلُواْ بِٱلۡبَٰطِلِ لِيُدۡحِضُواْ بِهِ ٱلۡحَقَّ فَأَخَذۡتُهُمۡۖ فَكَيۡفَ كَانَ عِقَابِ} (5)

ولما كان جدال الكفار ناشئاً عن تكذيب ما جاء به الرسول ، عليه السلام ، من آيات الله ، ذكر من كذب قبلهم من الأمم السالفة ، وما صار إليه حالهم من حلول نقمات الله بهم ، ليرتدع بهم كفار من بعث الرسول ، عليه السلام ، إليهم ؛ فبدأ بقوم نوح ، إذ كان عليه السلام أول رسول في الأرض ، وعطف على قومه الأحزاب ، وهم الذين تحزبوا على الرسل .

ولم يقبلوا ما جاءوا به من عند الله ، ومنهم : عاد وثمود وفرعون وأتباعه ، وقدم الهم بالأخذ على الجدال بالباطل ، لأن الرسل لما عصمهم الله منهم أن يقتلوهم رجعوا إلى الجدال بالباطل .

وقرأ الجمهور : { برسولهم } ؛ وقرأ عبد الله : برسولها ، عاد الضمير إلى لفظ أمة .

{ ليأخذوه } : ليتمكنوا منه بحبس أو تعذيب أو قتل .

وقال ابن عباس : ليأخذوه : ليملكوه ، وأنشد قطرب :

فإما تأخذوني تقتلوني *** فكم من آخذ يهوى خلودي

ويقال للقتيل والأسير : أخيذ .

وقال قتادة : { ليأخذوه } : ليقتلوه ، عبر عن المسبب بالسبب .

{ وجادلوا بالباطل } : أي بما هو مضمحل ذاهب لا ثبات له .

وقيل : الباطل : الكفر .

وقيل : الشيطان .

وقيل : بقولهم : { ما أنتم إلا بشر مثلنا } { ليدحضوا } : ليزلقوا ، { به الحق } : أي الثابت الصدق .

{ فأخذتهم } : فأهلكتهم .

{ فكيف كان عقاب } إياهم ، استفهام تعجيب من استصالهم ، واستعظام لما حل بهم ، وليس استفهاماً عن كيفية عقابهم ، وكانوا يمرون على مساكنهم ويرون آثار نعمة الله فيهم ؛ واجتزأ بالكسر عن ياء الإضافة لأنها فاصلة ، والأصل عقابي .