روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَإِذۡ أَوۡحَيۡتُ إِلَى ٱلۡحَوَارِيِّـۧنَ أَنۡ ءَامِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّنَا مُسۡلِمُونَ} (111)

{ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحواريين } أي أمرتهم في الإنجيل على لسانك أو أمرتهم على ألسنة رسلي . وجاء استعمال الوحي بمعنى الأمر في كلام العرب كما قال الزجاج وأنشد :

الحمد لله الذي استقلت باذنه السماء *** واطمأنت أوحى لها القرار فاستقرت

أي أمرها أن تقر فامتثلت ، وقيل : المراد بالوحي إليهم إلهامه تعالى إياهم كما في قوله تعالى : { وأوحى رَبُّكَ إلى النحل } [ النحل : 68 ] { وَأَوْحَيْنَا إلى أُمّ موسى } [ القصص : 7 ] وروي ذلك عن السدي وقتادة وإنما لم يترك الوحي على ظاهره لأنه مخصوص بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام والحواريون ليسوا كذلك ، وقد تقدم المراد بالحواريين [ في سورة رل عمران : 25 ] . وأن قوله تعالى : { أَنْ ءامِنُواْ * بِى وَبِرَسُولِى } مفسرة لما في الإيحاء من معنى القول ، وقيل : مصدرية أي بأن ءامنوا الخ . وتقدم الكلام في دخولها على الأمر ، والتعرض لعنوان الرسالة للتنبيه على كيفية الإيمان به عليه الصلاة والسلام والرمز إلى عدم إخراجه عليه الصلاة والسلام عن حده حطاً ورفعاً { قَالُواْ ءامَنَّا } طبق ما أمرنا به { واشهد بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ } مخلصون في إيماننا أو منقادون لما أمرنا به .

( ومن باب الإشارة ) :{ وَإِذْ أَوْحَيْتُ } بطريق الإلهام { إِلَى الحواريين } وهم الذين طهروا نفوسهم بماء العلم النافع ونقوا ثياب قلوبهم عن لوث الطبائع { أن آمنوا بي } إيماناً حقيقياً بتوحيد الصفات { وَبِرَسُولِى } [ المائدة : 111 ] برعاية حقوق تجلياتها على التفصيل . وذكر بعض السادة أن الوحي يكون خاصاً ويكون عاماً فالخاص ما كان بغير واسطة والعام ما كان بالواسطة من نحو الملك والروح والقلب والعقل والسر وحركة الفطرة وللأولياء نصيب من هذا النوع .

ولوحي الخاص مراتب وحي الفعل ووحي الذات . فوحي الذات يكون في مقام التوحيد عند رؤية العظمة والكبرياء ، ووحي الفعل يكون في مقام العشق والمحبة وهناك منازل الأنس والانبساط