{ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحواريين } عطف على ما قبله من أخواتها الواقعةِ ظروفاً للنعمة التي أُمر بذكرها ، وهي وإن كانت في الحقيقة عينُ ما يُفيده الجملُ التي أُضيفت إليها تلك الظروفُ من التأييد بروح القدس وتعليم الكتاب والحكمة وسائرِ الخوارق المعدودة ، لكنها لمغايَرَتها لها بعنوانٍ منْبئٍ عن غاية الإحسان أُمر بذكرها من تلك الحيثية ، وجُعلت عاملةً في تلك الظروف لكفاية المغايَرَة الاعتبارية في تحقيق ما اعتُبر في مدلول كلمةِ ( إذ ) من تعدد النسبة ، فإنه ظرف موضوعٌ لزمان نسبتين ماضيتين واقعتين فيه إحداهما معلومةُ الوقوعِ فيه للمخاطَب دون الأخرى ، فيُراد إفادةُ وقوعها أيضاً له ، فيضاف إلى الجملة المفيدة للنسبة الأولى ، ويجعل ظرفاً معمولاً للنسبة الثانية ، ثم قد تكون المغايَرةُ بين النسبتين بالذات كما في قولك : اذكُرْ إحساني إليك إذ أحسنتَ إليّ . تريد تنبيهَ المخاطَب على وقوع إحسانه إليك وهما نسبتان متغايرتان بالذات ، وقد تكون بالاعتبار كما في قولك : اذكر إحساني إليك إذ منعتُك من المعصية ، تريد تنبيهه على كون منعه منها إحساناً إليه لا على إحسانٍ آخرَ واقعٍ حينئذ ، ومن هذا القبيل عامةُ ما وقع في التنزيل من قوله تعالى : { يا قوم اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً } [ المائدة ، الآية 20 ] الآية ، وقولِه تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ } [ المائدة ، الآية 11 ] إلى غير ذلك من النظائر . ومعنى إيحائه تعالى إليهم أمرُه تعالى إياهم في الإنجيل على لسانه عليه السلام . وقيل : إلهامُه تعالى إياهم كما في قوله تعالى : { وَأَوْحَيْنَا إلى أُمّ موسى } [ القصص ، الآية 7 ] و( أنْ ) في قوله تعالى : { أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي } مفسِّرة لما في الإيحاء من معنى القول ، وقيل : مصدرية ، وإيرادُه عليه السلام بعنوان الرسالة للتنبيه على كيفية الإيمان به عليه السلام كأنه قيل : آمنوا بوحدانيتي في الألوهية والربوبية وبرسالة رسولي ولا تُزيِّلوه عن حيِّزه حطّاً ولا رفعاً ، وقوله تعالى : { قَالُوا } استئناف مبنيٌّ على سؤال نشأ من سَوْق الكلام كأنه قيل : فماذا قالوا حين أوحِيَ إليهم ذلك ؟ فقيل : قالوا : { آمنّا } أي بما ذُكر من وحدانيته تعالى وبرسالة رسولِه كما يُؤذِنُ به قولهم : { وأشهد بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ } أي مخلِصون في إيماننا ، مِنْ أسلم وجهَه لله ، وهذا القولُ منهم بمقتضى وحيه تعالى وأمرِه لهم بذلك ، نعمةٌ جليلة كسائر النعم الفائضة عليه عليه الصلاة والسلام ، وكل ذلك نعمةٌ على والدته أيضاً . رُوي أنه عليه السلام لما علم أنه سيُؤمر بذكر هاتيك النعم العِظامِ جعل يلبَسُ الشَّعْرَ ويأكب الشجر ولا يدخر شيئاً لغد ، يقول : لكل يوم رزقُه ، لم يكن له بيت فيخرَبَ ولا ولد فيموتَ ، أينما أمسى بات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.