روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَمِيثَٰقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِۦٓ إِذۡ قُلۡتُمۡ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (7)

{ واذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ } وهي نعمة الإسلام ، أو الأعم على إرادة الجنس ، وأمروا بذلك ليذكرهم المنعم ويرغبهم في شكره { وميثاقه الذى وَاثَقَكُم بِهِ } أي عهده الذي أخذه عليكم وقوله تعالى : { إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } ظرف لواثقكم به أو لمحذوف وقع حالاً من الضمير المجرور في { بِهِ } أو من ميثاقه أي كائناً وقت قولكم : سمعنا وأطعنا وفائدة التقييد به تأكيد وجوب مراعاته ( بتذكير قبولهم ) والتزامهم بالمحافظة عليه ، والمراد به الميثاق الذي أخذه على المسلمين حين بايعهم النبي صلى الله عليه وسلم في العقبة الثانية سنة ثلاث عشرة من النبوة على السمع والطاعة في حال اليسر والعسر والمنشط والمكره كما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبادة بن الصامت ، وقيل : هو الميثاق الواقع في العقبة الأولى سنة إحدى عشرة ، أو بيعة الرضوان بالحديبية ، فإضافة الميثاق إليه تعالى مع صدوره عنه صلى الله عليه وسلم لكون المرجع إليه سبحانه كما نطق به قوله تعالى : { إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله } [ الفتح : 10 ] . وأخرج ابن جرير وابن حميد عن مجاهد قال : هو الميثاق الذي واثق به بني آدم حين أخرجهم من صلب أبيهم عليه السلام وفيه بعد .

{ واتقوا الله } في نسيان نعمته ونقض ميثاقه ، أو في كل ما تأتون وتذرون فيدخل فيه ما ذكر دخولاً أولياً { إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور } أي مخفياتها الملابسة لها ملابسة تامة مصححة لإطلاق الصاحب عليها فيجازيكم عليها ، فما ظنكم بجليات الأعمال ؟ والجملة اعتراض وتعليل للأمر وإظهار الاسم الجليل لما مر غير مرة .

( هذا ومن باب الإشارة ) :{ واذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ } بالهداية إلى طريق الوصول إليه ، { وميثاقه الذي وَاثَقَكُم بِهِ } وهو عقود عزائمه المذكورة { إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } [ المائدة : 7 ] أي إذا قبلتموها من معدن النبوة بصفاء الفطرة ، وقال بعضهم : المراد بنعمة الله تعالى هدايته سبحانه السابقة في الأزل لأهل السعادة ، وبالميثاق الميثاق الذي واثق الله تعالى به عباده أن لا يشتغلوا بغيره عنه سبحانه ، وقال أبو عثمان : النعم كثيرة وأجلها المعرفة به سبحانه ، والمواثيق كثيرة وأجلها الإيمان