تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَمِيثَٰقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِۦٓ إِذۡ قُلۡتُمۡ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (7)

قوله سبحانه : { واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به } ، يعني بالإسلام يوم أخذ ميثاقكم على المعرفة بالله عز وجل والربوبية ، { إذ قلتم سمعنا وأطعنا } ، ذلك أن الله عز وجل أخذ الميثاق الأول على العباد حين خلقهم من صلب آدم ، عليه السلام ، فذلك قوله عز وجل : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا } ( الأعراف : 172 ) على أنفسنا ، فمن بلغ منهم العمل ، وأقر لله عز وجل بالإيمان به ، وبآياته ، وكتبه ، ورسله ، والكتاب ، والملائكة ، والجنة ، والنار ، والحلال ، والحرام ، والأمر ، والنهى أن يعمل بما أمر ، وينتهي عما نهى ، فإذا أوفى لله تعالى بهذا ، أوفى الله له بالجنة . .

فهذان ميثاقان ، ميثاق بالإيمان بالله ، وميثاق بالعمل ، فذلك قوله سبحانه في البقرة : { سمعنا وأطعنا } ( البقرة : 285 ) ، سمعنا بالقرآن الذي جاء من عند الله ، وأطعنا الله عز وجل فيه ، وذلك قوله سبحانه في التغابن : { فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا } ( التغابن : 16 ) ، يقول : اسمعوا القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله عز وجل ، وأطيعوا الله فيما أمركم ، فمن بلغ الحلم والعمل ولم يؤمن بالله عز وجل ولا بالرسول والكتاب ، فقد نقض الميثاق الأول بالإيمان بالله عز وجل ، وبما أخذ الله تعالى عليه حين خلقه وصار من الكافرين ، ومن أخذ الله عز وجل عليه الميثاق الأول ، ولم يبلغ الحلم ، فإن الله عز وجل أعلم به .

قال : وسئل عبد الله بن عباس عن أطفال المشركين ، فقال : لقد أخذ الله عز وجل الميثاق الأول عليهم ، فلم يدركوا أجلا ، ولم يأخذوا رزقا ، ولم يعملوا سيئة ، { ولا تزر وازرة وزر أخرى } ( الإسراء : 15 ) ، وماتوا على الميثاق الأول ، فالله أعلم بهم ، { واتقوا الله } ، ولا تنقضوا ذلك الميثاق ، { إن الله عليم بذات الصدور } ، يعني بما في قلوبهم من الإيمان والشك .