الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَمِيثَٰقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِۦٓ إِذۡ قُلۡتُمۡ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (7)

قوله تعالى : " واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به " قيل : هو الميثاق الذي في قوله عز وجل : " وإذ أخذ ربك من بني آدم{[5402]} " [ الأعراف : 172 ] . قاله مجاهد وغيره . ونحن وإن لم نذكره فقد أخبرنا الصادق به ، فيجوز أن نؤمر بالوفاء به . وقيل : هو خطاب لليهود بحفظ ما أخذ عليهم في التوراة . والذي عليه الجمهور من المفسرين كابن عباس والسدي هو العهد والميثاق الذي جرى لهم مع النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره إذ قالوا : سمعنا وأطعنا ، كما جرى ليلة العقبة وتحت الشجرة ، وأضافه تعالى إلى نفسه كما قال : " إنما يبايعون الله " {[5403]} [ الفتح : 10 ] فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة على أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم ونساءهم وأبناءهم ، وأن يرحل إليهم هو وأصحابه ، وكان أول من بايعه البراء بن معرور ، وكان له في تلك الليلة المقام المحمود في التوثق لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والشد لعقد أمره ، وهو القائل : والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا{[5404]} ، فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أبناء الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر . الخبر المشهور في سيرة ابن إسحاق . ويأتي ذكر بيعة الرضوان في موضعها{[5405]} . وقد اتصل هذا بقوله تعالى : " أوفوا بالعقود " [ المائدة : 1 ] فوفوا بما قالوا ؛ جزاهم الله تعالى عنهم وعن الإسلام خيرا ، ورضي الله عنهم وأرضاهم . " واتقوا الله " أي في مخالفته أنه عالم بكل شيء .


[5402]:راجع ج 7 ص 313.
[5403]:راجع ج 16 ص 267، وص 274. في ك و ج و هـ : بيعة الشجرة.
[5404]:أزرنا أي نساءنا وأهلنا كنى عنهن بالأزر. وقيل: أراد أنفسنا. راجع "سيرة ابن هشام" ج 1 ص 293 طبع أوربا.
[5405]:راجع ج 16 ص 267، وص 274. في ك و ج و هـ : بيعة الشجرة.