روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِۚ فَإِنِ ٱنتَهَوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (39)

{ وقاتلوهم } عطف على { قُلْ } [ الأنفال : 38 ] وعم الخطاب لزيادة ترغيب المؤمنين في القتال لتحقيق ما يتضمنه قوله سبحانه : { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الاولين } [ الأنفال : 38 ] من الوعيد { حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } أي لا يوجد منهم شرك كما روى عن ابن عباس . والحسن ، وقيل : المراد حتى لا يفتتن مؤمن عن دينه { وَيَكُونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلهِ } وتضمحل الأديان الباطلة كلها إما بهلاك أهلها جميعاً أو برجوعهم عنها خشية القتل ، قيل : لم يجيء تأويل هذه الآية بعد وسيتحقق مضمونها إذا ظهر المهدي فإنه لا يبقى على ظهر الأرض مشرك أصلاً على ما روى عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه { فَإِنِ انْتَهَوْاْ } عن الكفر بقتالكم { فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } الجملة قائمة مقام الجزاء أي فيجازيهم على انتهائهم وإسلامهم ، أو جعلت مجازاً عن الجزاء أو كناية وإلا فكونه تعالى بصيراً أمر ثابت قبل الانتهاء وبعده ليس معلقاً على شيء . وعن يعقوب أنه قرأ { تَعْمَلُونَ } بالتاء على أنه خطاب للمسلمين المجاهدين أي بما تعملون من الجهاد المخرج لهم إلى الإسلام ، وتعليق الجزاء بانتهائهم للدلالة على أنهم يثابون بالسببية كما يثاب المباشرون بالمباشرة .

( هذا ومن باب الإشارة ) :{ وقاتلوهم } أي قاتلوا أيها المؤمنون كفار النفوس فإن جهادها هو الجهاد الأكبر { حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } مانعة عن الوصول إلى الحق { وَيَكُونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلهِ } ويضمحل دين النفس الذي شرعته { فَإِنِ انْتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [ الأنفال : 39 ] فيجازيهم على ذلك والله تعالى الموفق لأوضح المسالك لا رب غيره ولا يرجى إلا خيره .