اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِۚ فَإِنِ ٱنتَهَوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (39)

قوله تعالى : { وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } الآية .

لمَّا بينَّ أن الكفار إن انتهوا عن الكفر غفر لهم ، وإن عادوا فهم متوعدون ، أتبعه بأن أمر بقتالهم إذا أصروا ، فقال : { وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } .

وقال عروة بن الزبير : " كان المؤمنون يفتنون عن دين اللَّهِ في مبدأ الدَّعْوَة ، فافتتن بعض المسلمين ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يخرجوا إلى الحبشةِ ، وفتنة ثانية وهي أنه لمَّا بايعت الأنصارُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة ، أرادت قريش أن يفتنوا المؤمنين بمكَّة عن دينهم ؛ فأصاب المؤمنين جهدٌ شديد ، فهذا هو المراد من الفتنةِ ؛ فأمر اللَّهُ بقتالهم حتَّى تزول هذه الفتنة " {[17337]} .

قال المفسِّرُون : { حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } أي : شِرْك .

وقال الربيعُ : " حتَّى لا يفتن مؤمن عن دينه " .

قال القاضي " إنه تعالى أمر بقتالهم ، ثم بيَّن له قتالهم ، فقال : { حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } ويخلص الدِّين الذي هو دينُ الله من سائر الأديانِ ، وإنَّما يحصل هذا المقصود إذا زال الكفر بالكليَّة " ، " ويكون " العامَّةُ على نصبه ، نسقاً على المنصُوبِ{[17338]} مرفوعاً على الاستئناف .

قوله " فإن انتهَواْ " عن الكُفْرِ والمعاصي ، بالتَّوبة والإيمان ، فإنَّ اللَّه عالم لا يخفى عليه شيء يوصل إليهم ثوابهم .


[17337]:ذكره الرازي في "تفسيره" (15/131).
[17338]:ينظر: البحر المحيط 4/489، الدر المصون 3/419.