نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِۚ فَإِنِ ٱنتَهَوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (39)

ولما أشار ختم الآية قتالهم إن أصروا ، وكان التقدير : فأقدموا عليهم حيثما{[34980]} عادوكم إقدام{[34981]} الليوث الجريئة غير هائبين كثرتهم ولا قوتهم فإن الله خاذلهم ، عطف عليه قوله مصرحاً بالمقصود : { وقاتلوهم } أي دائماً { حتى لا تكون فتنة } أي سبب يوجب ميلاً عن الدين أصلاً { ويكون الدين } .

ولما كانت هذه الوقعة قد سرت كتائب هيبتها في القلوب فوجبت أيما وجبت ، فضاقت وضعفت صدور الكافرين ، وانشرحت وقويت قلوب المؤمنين ؛ اقتضى هذا السياق التأكيد فقال : { كله لله } أي الملك الأعظم خالصاً غير مشوب بنوع خوف أو إغضاء على قذى ، وأصل الفتن : الخلطة المحيلة ، ويلزم ذلك أن{[34982]} يكون السبب عظيماً لأن الشيء لا يحول عن حاله إلا لأمرعظيم لأن مخالفة المألوف عسرة ، ومنه النتف ، وكذا نفت القدر ، وهو أن يغلي المرق فيلزق بجوانبها ، والتنوفة : القفر ، لأنه{[34983]} موضع ذلك ، ويلزمه الإخلاص ، من فتنت الذهب - إذا أذبته فتميز{[34984]} جيده من رديئه ، وتارة يكون الميل إلى جهة الرديء وهو الأغلب ، وتارة إلى الجيد ، ومنه { وفتناك فتوناً{[34985]} }[ طه :40 ] .

ولما كان لهم{[34986]} حال اللقاء حالان : إسلام وإقبال ، وكفر وإعراض وإخلال ، قال مبيناً لحكم القسمين : { فإن انتهوا } أي عن قتالكم{[34987]} بالمواجهة بالإسلام فاقبلوا منهم وانتهوا عن مسهم بسوء ولا تقولوا : أنتم{[34988]} متعوذون بذلك غير مخلصين ، تمسكاً بالتأكيد بكله ، فأنه ليس عليكم{[34989]} إلا ردهم عن المخالفة الظاهرة ، وأما الباطن فإلى الله { فإن الله } أي المحيط علماً وقدرة ، وقدم المجرور اهتماماً به إفهاماً لأن العلم به كالمختص به{[34990]} فقال{[34991]} : { بما يعملون{[34992]} } أي وإن دقَّ { بصير* } فيجازيهم عليه ، وأما أنتم فلستم عالمين بالظاهر والباطن معاً فعليكم قبول الظاهر ، والله بما تعملون أنتم أيضاً - من كف عنهم وقتل لله{[34993]} أو لحظّ نفس - بصير ، فيجازيكم على حقائق الأمور وبواطنها وإن أظهرتم للناس ما يقيم عذركم ، ويكمل لكل منكم أجر ما كان عزم على مباشرته من قتالهم لو{[34994]} لم ينتهوا ، وإن لم ينتهوا بل أقدموا على قتالكم ، هكذا كان الأصل ، ولكنه سبحانه عبر بقوله :{ وإن تولوا }


[34980]:في ظ: حيث.
[34981]:من ظ، وفي الأصل: فقام.
[34982]:زيد من ظ.
[34983]:سقط من ظ.
[34984]:في ظ: فيميز.
[34985]:سورة 20 آية 40.
[34986]:سقط من ظ.
[34987]:في ظ: قتالهم.
[34988]:في ظ: أنهم.
[34989]:من ظ، وفي الأصل: عليك.
[34990]:زيد من ظ.
[34991]:سقط من ظ.
[34992]:من ظ، وهو ينسجم مع ما يأتي، وفي الأصل: تعلمون ـ بالخطاب، وهي قراءة الحسن ويعقوب وسلام بن سليمان.
[34993]:من ظ، وفي الأصل: لهم الله.
[34994]:من ظ، وفي الأصل "و".