التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱقۡتُلُوهُ أَوۡ حَرِّقُوهُ فَأَنجَىٰهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (24)

قوله : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ } ما كان لقوم إبراهيم المشركين من حجة أو برهان على صدق عبادتهم إلا السفه والحماقة والتعصب . إنهم لا يملكون أيما دليل يقولونه لإبراهيم ؛ إذ دعاهم إلى عبادة الله وحده وأراد تبصيرهم بحقيقة هذه الأصنام التي يعبدونها على أنها حجارة صماء لا تضر ولا تنفع ، ولا تعقل ولا تسمع . لم يكن جوابهم إلا أن قال بعضهم لبعض : { اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ } وذلك جواب المستكبرين العتاة الذين أُفرغت أذهانهم من كل منطق أو حجة فما يملكون إلا الخطاب في اغترار وصلف وعجرفة . وذلك هو ديدن الطغاة والمتسلطين المفلسين من الناس ، الذين يستضعفون المؤمنين ويستذلونهم أيما استذلال . وهم إذا خاطبهم أمين رشيد يروم هدايتهم واستقامتهم ؛ انتفخت أوداجهم غضبا واستكبارا وراحوا يتهددون ويتوعدون . وهكذا كان قوم إبراهيم ؛ إذ قالوا فيما بينهم متشاورين متمالئين { اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ } مبالغة في التحريق . فقد ألقوه في نار متأججة مستعرة تأتي على ما يلج فيها ؛ ليصير إلى رماد لولا أن الله أنجاه بفضله ورحمته { فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } لم يتأذَّ إبراهيم من النار ؛ إذ جعلها الله عليه بردا وسلاما . فقد كان في تنجيته من النار دلالات ظاهرة على قدرة الله البالغة ، وعبرة لكل ذي عقل وبصر . وهي عبرة قائمة ، وعظة مكشوفة يتدبرها المؤمنون المصدقون في كل زمان .