تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱقۡتُلُوهُ أَوۡ حَرِّقُوهُ فَأَنجَىٰهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (24)

يقول تعالى مخبرا عن قوم إبراهيم في كفرهم وعنادهم ومكابرتهم ، ودفعهم الحق بالباطل : أنه ما كان لهم جواب بعد مقالة إبراهيم هذه المشتملة على الهدى والبيان ، { إِلا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ } ، وذلك لأنهم قام عليهم البرهان ، وتوجهت عليهم الحجة ، فعدلوا إلى استعمال جاههم وقوة ملكهم ، { قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ . فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأسْفَلِينَ } [ الصافات : 97 ، 98 ] ، وذلك أنهم حَشَدوا في جمع أحطاب عظيمة مدة طويلة ، وحَوّطوا حولها ، ثم أضرموا فيها النار ، فارتفع لها لهب إلى عَنَان السماء : ولم توقد{[22528]} نار قط أعظم منها ، ثم عمدوا إلى إبراهيم فكتفوه وألقوه في كفَّة المنجنيق ، ثم قذفوا به فيها ، فجعلها الله عليه بردا وسلاما ، وخرج منها سالما بعد ما مكث فيها أياما . ولهذا وأمثاله جعله الله للناس إماما . فإنه بذل نفسه للرحمن ، وجسده للنيران ، وسخا بولده للقربان ، وجعل ماله للضيفان ، ولهذا اجتمع على محبته جميع أهل الأديان .

وقوله : { فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ } أي : سَلَّمه [ الله ]{[22529]} منها ، بأن جعلها عليه بردا وسلاما ، { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } .


[22528]:- في ت : "توجد".
[22529]:- زيادة من ت ، ف.