البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱقۡتُلُوهُ أَوۡ حَرِّقُوهُ فَأَنجَىٰهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (24)

لما أمرهم بعبادة الله ، وبين سفههم في عبادة الأوثان ، وظهرت حجته عليهم ، رجعوا إلى الغلبة ، فجعلوا القائم مقام جوابه فيما أمرهم به قولهم : { اقتلوه أو حرّقوه } .

والآمرون بذلك ، إما بعضهم لبعض ، أو كبراؤهم قالوا لأتباعهم : اقتلوه ، فتستريحوا منه عاجلاً ، أو حرّقوه بالنار ؛ فإما أن يرجع إلى دينكم ، إذا أمضته النار ؛ وإما أن يموت بها ، إن أصر على قوله ودينه .

وفي الكلام حذف ، أي حرّقوه في النار ، { فأنجاه الله من النار } .

وتقدمت قصته في تحريقه في سورة { اقترب للناس حسابهم } وجمع هنا فقال : الآيات ، لأن الإنجاء من النار ، وجعلها برداً وسلاماً ، وأنها في الحبل الذي كانوا أوثقوه به دون الجسم ، وإن صح ما نقل من أن مكانها ، حالة الرمي ، صار بستاناً يانعاً ، هو مجموع آيات ، فناسب الجمع ، بخلاف الإنجاء من السفينة ، فإنه آية واحدة ، وتقدم الكلام على ذلك ، وفي ذلك إشارة من النار بعد إلقائه ؛ فيما قال كعب : لم يحترق بالنار إلا الحبل الذي أوثقوه به .

وجاء هنا الترديد بين قتله وإحراقه ، فقد يكون ذلك من قائلين : ناس أشاروا بالقتل ، وناس أشاروا بالإحراق .

وفي اقترب قالوا : { حرقوه } اقتصروا على أحد الشيئين ، وهو الذي فعلوه ، رموه في النار ولم يقتلوه .

وقرأ الجمهور : { جواب } ، بالنصب ؛ والحسن ، وسالم الأفطس : بالرفع ، اسماً لكان .