غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱقۡتُلُوهُ أَوۡ حَرِّقُوهُ فَأَنجَىٰهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (24)

1

ثم حكى أن جواب قوم إبراهيم لم يكن إلا أن قالوا فيما بينهم أو قال واحد ورضي به الباقون { اقتلوه } بالسيف ونحوه { أو حرقوه } بالنار وهذا ليس جواباً في الحقيقة ولكنه كقولهم " عتابك السيف " . وفيه بيان جهالتهم أنهم وضعوا الوعيد موضع الائتمار للنصيحة والإذعان للحق . ثم بين أنهم اتفقوا على تحريفه فأنجاه من النار .

والقصة مذكورة في سورة الأنبياء . { إن في ذلك } الإنجاء { لآيات } جمع الآية لعظم تلك الحالة كقوله { إن إبراهيم كان أمة } [ النحل : 120 ] أو لأنها مشتملة على أحوال عجيبة كالرمي من المنجنيق من غير أن لحق به ضرر ، وكما يروى أن النار أن النار صارت عليه روحاً وريحاناً إلى غير ذلك . وإنما قال في قصة نوح عليه السلام

{ وجعلناها آية } [ العنكبوت : 15 ] ولم يذكر الجعل ههنا لأن الخلاص من مثل تلك النار آية في نفسه ، وأما السفينة فقد جعلها الله آية بأن أحدث الطوفان وصانها عن الغرق ، ويمكن أن يقال : إن الصون عن النار أعجب من الصون عن الماء فلذلك وحد الآية هناك وجمعها ههنا . وإنما قال هناك { آية للعالمين } [ العنكبوت : 15 ] وههنا { لآيات لقوم يؤمنون } لأن تلك السفينة بقيت أعواماً حتى مرّ عليها الناس ورأوها فحصل العلم بها لكل أحد . أو نقول : جنس السفينة حصلت بعد ذلك فما بين الناس فكانت آية للعالمين . وأما تبريد النار فلم يبق من ذلك أثر فلم يظهر لمن بعده إلا بطريق الإيمان به . وههنا لطيفة وهي أن الله تعالى جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم بسبب اهتدائه في نفسه وهدايته لغيره وقال { قد كان لكم أسوة حسنة في إبراهيم } [ الممتحنة : 4 ] فحصل للمؤمنين بشارة بأن الله سيجعل النار على المؤمن المهتدي برداً وسلاماً .

/خ1