التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحۡنُ أَبۡنَـٰٓؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّـٰٓؤُهُۥۚ قُلۡ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُمۖ بَلۡ أَنتُم بَشَرٞ مِّمَّنۡ خَلَقَۚ يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَاۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (18)

قوله تعالى : { وقالت اليهود والنصرى نحن أبنؤا الله وأحبوه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير } قال ذلك بعض اليهود ونسب إلى الجميع ، لأنهم لم ينكروا هذه المقالة بل أقرها وتشبثت بها قلوبهم وعقولهم . وفي ذلك أخرج البيهقي عن ابن عباس قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن آصى وبحري بن عمرو وشاس ابن عدي فكلموه وكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الله تعالى وحذرهم نقمته فقالوا : ما تخوفنا يا محمد نحن والله أبناء الله وأحباؤه ، كقول النصارى فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية{[927]} . وتلك فرية مقبوحة حوتها أساطير بني إسرائيل . وهي أساطير كثيرة ومريبة وغريبة تلطخت بها بطون الكتب الدينية التي أفرزتها قرائح الدجاجلة والمشعودين من الحاخامات والأخبار . ومن جملة ذلك زعمهم أنهم أبناء الله وأحباؤه . وقيل : مرادهم بالأبناء المقربون عند الله . والأحباب جمع حبيب بمعنى المحبوب . والمقصود أنهم مفضلون على غيرهم من الناس . وأنهم أولو مزية لا تتسنى لغيرهم من البشر .

قوله : { قل فلم يعذبكم بذنوبكم } أي إن صح زعمكم أنكم أبناء الله وأحباؤه فلم يعذبكم الله بذنوبكم يوم القيامة أياما بعد الأيام التي عبدتم فيها العجل ، وهو زعمكم أنفسكم ؟ كيف يعذبكم وأنتم المقربون المميزون ؟ ! اللهم إن هذا افتراء وتخريص وبهتان !

قوله : { بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء } أي ليس الأمر مثلما زعمت اليهود والنصارى . فما زعمهم غير تخريص واهم مكذوب لا يستند إلى أثارة من برهان إلا الاغترار والحماقة . وهم جميعا ليسوا إلا صنفا من البشر من ذرية آدم خلقهم الله كبقية خلقه لا يتميزون عن غيرهم من الناس بشيء . فمن صلح فيهم جوزي من الله خير الجزاء . ومن عصى وبغى وجنف فإنه مجزي بسوء فعله ما يستحق من العذاب والنكال يوم القيامة . والله جلت قدرته إنما يغفر لأهل الطاعة ويعذب أهل المعصية . وهذا مقتضى قوله : { يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء } .

قوله : { ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير } ذلك من تتمة الرد لمقالة اليهود والنصارى من أنهم أبناء الله وأحياؤه . فإن هذيهم ضال ومكذوب ، وافتراءهم على الله مستقبح وداحض ، وما هم إلا كغيرهم من الخلائق . وسيجازي الله كلا بعمله من خير أو شر . والله جل جلاله قادر على ذلك كله فكل شيء قبضته وملكه وبين يديه . فهو سبحانه مالك السموات والأرض بما فيهن وما بينهن من الملائكة والجنة والأناسي وغير ذلك من مختلف الخلائق الكاثرة المبثوثة في أطواء هذا الكون المعمور . الكون الشاسع الكبير الحافل بالأشياء والأحياء والأسرار والحقائق . الكون الذي يئول في النهاية إلى الله حيث الفناء المحتوم والطاقة الكبرى !


[927]:- روح المعاني ج 5 ص 101.