التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{فَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخۡلِفَ وَعۡدِهِۦ رُسُلَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٞ ذُو ٱنتِقَامٖ} (47)

تفريع على جميع ما تقدم من قوله : { ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون } [ إبراهيم : 42 ] . وهذا محل التسلية . والخطاب للنبيء . وتقدم نظيره آنفاً عند قوله : ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون ، لأن تأخير ما وعد الله رسوله عليه الصلاة والسلام من إنزال العقاب بأعدائه يشبه حال المخلف وعده ، فلذلك نهي عن حُسبانه .

وأضيف { مخلف } إلى مفعوله الثاني وهو { وعده } وإن كان المفعول الأول هو الأصل في التقديم والإضافة إليه لأن الاهتمام بنفي إخلاف الوعد أشد ، فلذلك قدم { وعده } على { رسله } .

و { رسله } جمع مراد به النبي صلى الله عليه وسلم لا محالة ، فهو جمع مستعمل في الواحد مجازاً . وهذا تثبيت للنبيء صلى الله عليه وسلم بأن الله منجز له ما وعده من نصره على الكافرين به . فأما وعده للرسل السابقين فذلك أمر قد تحقق فلا يناسب أن يكون مراداً من ظاهر جمع { رسله } .

وجملة { إن الله عزيز ذو انتقام } تعليل للنهي عن حُسبانه مُخلف وعده .

والعزة : القدرة . والمعنى : أن موجب إخلاف الوعد منتف عن الله تعالى لأن إخلاف الوعد يكون إما عن عَجز وإما عن عدم اعتياد الموعود به ، فالعزة تنفي الأول وكونُه صاحب انتقام ينفي الثاني . وهذه الجملة تذييل أيضاً وبها تمّ الكلام .