فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخۡلِفَ وَعۡدِهِۦ رُسُلَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٞ ذُو ٱنتِقَامٖ} (47)

{ مُخْلِفَ } منتصب على أنه مفعول { تحسبنّ } ، وانتصاب { رسله } على أنه مفعول { وعده } ، قيل : وذلك على الاتساع ، والمعنى : مخلف رسله وعده . قال القتيبي : هو من المقدّم الذي يوضحه التأخير . والمؤخر الذي يوضحه التقديم ، وسواء في ذلك مخلف وعده رسله ، ومخلف رسله وعده ، ومثل ما في الآية قول الشاعر :

ترى الثور فيها مدخل الظلّ رأسه *** وسائره باد إلى الشمس أجمع

وقال الزمخشري : قدّم الوعد ليعلم أنه لا يخلف الوعد أصلاً كقوله : { إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد } [ آل عمران : 9 ] . ثم قال { رسله } ليؤذن أنه إذا لم يخلف وعده أحداً ، وليس من شأنه إخلاف المواعيد ، فكيف يخلفه رسله الذين هم خيرته وصفوته . والمراد بالوعد هنا : هو ما وعدهم سبحانه بقوله : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا } [ غافر : 51 ] و{ كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي } [ المجادلة : 21 ] . وقرئ «مخلف وعدهَ رسِله » بجرّ { رسله } ونصب { وعده } . قال الزمخشري : وهذه القراءة في الضعف كمن قرأ : { قتل أولادهم شركائهم } [ الأنعام : 137 ] . { إنَّ الله عَزِيزٌ } غالب لا يغالبه أحد { ذُو انتقام } ينتقم من أعدائه لأوليائه والجملة تعليل للنهي ، وقد مرّ تفسيره في أوّل آل عمران .

/خ52