معاني القرآن للفراء - الفراء  
{فَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخۡلِفَ وَعۡدِهِۦ رُسُلَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٞ ذُو ٱنتِقَامٖ} (47)

وقوله : { فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ 47 }

أضفت ( مُخْلف ) إلى الوعد ونصبت الرسل على التأويل . وإذا كان الفعل يقع على شيئين مختلفين مثل كسوتك الثوب وأدخلتك الدار فابدأ بإضافة الفعل إلى الرجل فتقول : هو كاسى عَبدِ الله ثوباً ، ومُدخلُه الدار . ويجوز : هو كاسى الثوب عبدَ الله ومدخل الدار زيداً ، جاز ذلك لأن الفعل قد يأخذ الدار كأخذه عَبد الله فتقول : أدخلت الدار وكسوت الثوب . ومثله قول الشاعر :

ترى الثور فيها مُدخلَ الظلِّ رأسَه *** وَسائره بادٍ إلى الشمس أجمعُ

فأضاف ( مُدْخل ) إلى ( الظل ) وكان الوجه أن يضيف ( مدخل ) إلى ( الرأس ) ومثله :

رُبّ ابن عمَّ لسُلَيمى مشمعلّْ *** طبَّاخ سَاعاتِ الكرى زاد الكسِلْ

ومثله :

فرِشْنى بخير لا أكونَنْ ومِدْحتى *** كناحت يوم صخرةً بعَسِيل

وقال آخر :

يا سارقَ الليلةِ أهلَ الدار *** . . .

فأضاف سَارقا إلى الليلة ونصب ( أهل الدار ) وكان بعض النحويّين ينصب ( الليلة ) ويخفض ( أهل ) فيقول : يا سَارق الليلةَ أهلِ الدار .

وكناحت يوما صخرةٍ *** . . .

وليس ذلك حسنا في الفعل ولو كان اسْما لكان الذي قالوا أَجْوز . كقولكَ : أنت صَاحبُ اليومَ ألفِ دينار ، لأن الصَّاحب إنما يأخذ واحداً ولا يأخذ الشيئين ، والفِعل قد ينصب الشيئين ، ولكن إذا اعترضت صفة بين خافض وما خَفَض جاز إضافته ؛ مثل قولك : هذا ضاربُ في الدار أخِيه ، ولا يجوز إلاّ في الشعر ، مثل قوله :

تروَّحَ في عِمِّيَّةٍ وأَغاثه *** على الماء قوم بالهراوات هُوجُ

مؤخِّر عن أنيابه جلدِ رأسه *** لهنّ كأشباه الزِّجَاج خُرُوج

وقال الآخر :

وكرَّار دونَ المجْحَرِين جَوادِه *** إذا لم يُحام دُون أنثى حَليلُها

وزعم الكسائي أنهم يؤثرون النصب إذا حالوا بين الفعل المضاف بصفة فيقولون : هُوَ ضارِبُ فيغير شيء أخاه ، يتوهَّمُون إذا حالوا بينهما أنهم نوَّنوا . وليسَ قول من قال ( مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِه ) ولا { زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلاَدَهُمْ شُرَكائهمْ } بشيء ، وقد فُسّر ذلك . ونحويُّو أهلِ المدينة ينشدون قوله :

فَزَجَجْتُها مُتمَكِّنا *** زَجَّ القَلوصَ أبى مَزَادَهْ

قال الفراء : باطل والصواب :

زَجَّ القَلوصِ أبُو مَزَادَهْ *** . . .