اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخۡلِفَ وَعۡدِهِۦ رُسُلَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٞ ذُو ٱنتِقَامٖ} (47)

قوله تعالى : { فَلاَ تَحْسَبَنَّ الله مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ } لما بين في الآية الأولى أنه ينتصر للمظلوم من الظَّالم بين هاهنا أنه لا يخلف الوعد .

قوله : { مُخْلِفَ وَعْدِهِ } العامة على إضافة : " مخْلِفَ " إلى " وعْدِهِ " وفيها وجهان :

أظهرهما : أن " مُخْلفَ " يتعدَّى لاثنين كفعله ، فقدم المفعول الثاني ، وأضيف إليه اسم الفاعل تخفيفاً ، نحو : هذا كَاسِي جُبَّةِ زيْدٍ .

قال الفراء وقطرب : لما تعدَّى إليهما جميعاً ، لم يبالِ بالتقديم والتأخير .

وقال الزمخشري : فإن قلت : هلاَّ قيل : مُخْلف رسله وعده ؟ ولم قدَّم المفعول الثاني على الأول ؟ .

قلت : قدم الوعد ليعلم أنه لا يخلف الوعد ، ثم قال : " رُسلهُ " ليؤذن أنه إذا لم يخلف وعده أحداً ، وليس من شأنه إخلاف المواعيد ، كيف يخلف رسله ؟ .

وقال أبو البقاء : هو قريبُ من قولهم : [ الرجز ]

يَا سَارِقَ اللَّيْلَةِ أهْلَ الدَّارِ{[19379]} *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وأنشد بعضهم -نظير الآية الكريمة- قول الشاعر : [ الطويل ]

تَرَى الثَّورَ فِيهَا مُدخِلَ الظلِّ رَأسَهُ *** وسَائرِهُ بَادٍ إلى الشَّمْسِ أجْمعُ{[19380]}

والحسبان هنا : الأمر [ المتيقن ]{[19381]} ، كقوله : [ الطويل ]

فَلا تَحْسَبنْ أنِّي أضلُّ مَنيَّتِي *** وكُلُّ امرئ كَأسَ الحِمامِ يَذُوقُ{[19382]}

الثاني : أنه متعد لواحد ، وهو " وعْدهِ " ، وأمَّا " رُسلهُ " فمنصوب بالمصدر فإنَّه ينحلْ بحرف مصدريّ ، وفعل تقديره : مخلف ما وعد رسله ، ف " ما " مصدريَّة لا بمعنى الذي ؟

وقرأت{[19383]} جماعة : { مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ } بنصب : " وَعْدهُ " وجر : " رسُلهِ " فصلاً بالمفعول بين المتضايفين ، هي كقراءة ابن عامرٍ : { قَتْلُ أوْلادَهُمْ شُركائِهِمْ ) .

قال الزمخشري -جرأة منه- : " وهذه في الضعف [ كقراءة ]{[19384]} ( قَتْلُ أوْلادَهُمْ شُركائِهِمْ ) .

ثم قال : { إِنَّ الله عَزِيزٌ ذُو انتقام } غالب لأهل المكر ، ذو انتقام لأوليائه منهم .


[19379]:ينظر: الكتاب 1/175، أمالي ابن الشجري 2/250، الخزانة 3/108، معاني الفراء 2/80، التبيان 2/774، ابن يعيش 2/45، 46، الهمع 1/203، الدرر 1/172، الألوسي 13/253، الدر المصون 4/281.
[19380]:تقدم.
[19381]:في ب: المتبين.
[19382]:ينظر: البحر المحيط 5/426، الدر المصون 4/281.
[19383]:ينظر: الكشاف 2/566، والمحرر الوجيز 3/346 والبحر المحيط 5/427 والدر المصون 4/281.
[19384]:في أ: كمن قرأ.