المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَتَّخَذۡنَٰهُمۡ سِخۡرِيًّا أَمۡ زَاغَتۡ عَنۡهُمُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} (63)

وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي : { أتخذناهم سخرياً } بألف الاستفهام ، ومعناها : تقرير أنفسهم على هذا على جهة التوبيخ لها والأسف ، أي أتخذناهم سخرياً ولم يكونوا كذلك ، واستبعد معنى هذه القراءة أبو علي . وقرأ نافع وحمزة والكسائي : «سُخريا » بضم السين ، وهي قراءة الأعرج وشيبة وأبي جعفر وابن مسعود وأصحابه ومجاهد والضحاك ، ومعناها : من السخرة والاستخدام . وقرأ الباقون : «سِخرياً » بكسر السين وهي قراءة الحسن وأبي رجاء وعيسى وابن محيصن ومعناها المشهور من السخر الذي هو الهزء ، ومنه قول الشاعر [ عامر بن الحارث ] : [ البسيط ]

إني أتاني لسان لا أسر بها*** من علو لا كذب فيها ولا سخر

وقالت فرقة يكون كسر السين من التسخير .

و { أم } في قولهم : { أم زاغت } معادلة ل { ما } في قولهم : { ما لنا لا نرى } وذلك أنها قد تعادل { ما } ، وتعادل من ، وأنكر بعض النحويين هذا ، وقال : إنها لا تعادل إلا الألف فقط . والتقدير في هذه الآية : أمفقودون هم أم زاغت ؟ ومعنى هذا الكلام : أليسوا معنا أم هم معنا ولكن أبصرنا تميل عنهم فلا تراهم ؟ ، والزيغ : الميل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَتَّخَذۡنَٰهُمۡ سِخۡرِيًّا أَمۡ زَاغَتۡ عَنۡهُمُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} (63)

قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وعاصم { أَتَّخَذْناهُم } بهمزة قطع هي همزة الاستفهام ، وحذفت همزة الوصل من فعل ( اتخذنا ) لأنها لا تثبت مع همزة الاستفهام لعدم صحة الوقف على همزة الاستفهام ، فجملة { أتخذناهم } بدل من جملة { ما لنا لا نرى رِجالاً } . و { أم } حرف إضراب ، والتقدير : بل زاغت عنهم أبصارنا .

والزيغ : الميل عن الجهة ، أي مالت أبصارنا عن جهتهم فلم تنظرهم .

و ( أل ) في { الأبْصَارُ } عوض عن المضاف إليه ، أي أبصارنا ، فيكون المعنى : أكان تحقيرنا إياهم في الدنيا خطأ . وكنّى عنه باتخاذهم سخرياً لأن في فعل { أتخذناهم } إيماء إلى أنهم ليسوا بأهل للسخرية ، وهذا تندم منهم على الاستسخار بهم .

وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف { أتخَذْناهُم } بهمزة وصل على أن الجملة صفة { رِجَالاً } ثانية وعليه تكون { أم منقطعة للإِضراب عن قولهم اتخذناهم سِخرياً } أي بل زاغت عنهم الأبصار .

والسخريَّ : اسم مصدر سَخِر منه ، إذا استهزأ به ، فالسخريُّ الاستهزاء ، وهو دال على شدة الاستهزاء لأن ياءَه في الأصل ياء نسب وياء النسب تأتي للمبالغة في الوصف . وقرأ نافع وحمزة والكسائي وأبو جعفر وخلف بضم السين . وقرأه الباقون بكسر السين كما تقدم في سورة المؤمنين .