فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَتَّخَذۡنَٰهُمۡ سِخۡرِيًّا أَمۡ زَاغَتۡ عَنۡهُمُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} (63)

{ أتخذناهم سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبصار } قال مجاهد : المعنى أتخذناهم سخرياً في الدنيا ، فأخطأنا ، أم زاغت عنهم الأبصار ، فلم نعلم مكانهم ؟ والإنكار المفهوم من الاستفهام متوجه إلى كل واحد من الأمرين . قال الحسن : كل ذلك قد فعلوا : اتخذوهم سخرياً ، وزاغت عنهم أبصارهم . قال الفراء : والاستفهام هنا بمعنى : التوبيخ والتعجب . قرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وابن كثير ، والأعمش بحذف همزة اتخذناهم في الوصل . وهذه القراءة تحتمل أن يكون الكلام خبراً محضاً ، وتكون الجملة في محل نصب صفة ثانية ل{ رجالاً } ، وأن يكون المراد : الاستفهام ، وحذفت أداته لدلالة أم عليها ، فتكون أم على الوجه الأوّل منقطعة بمعنى : بل ، والهمزة ، أي : بل أزاغت عنهم الأبصار على معنى : توبيخ أنفسهم على الاستسخار ، ثم الإضراب ، والانتقال منه إلى التوبيخ على الازدراء والتحقير ، وعلى الثاني أم هي المتصلة . وقرأ الباقون بهمزة استفهام سقطت لأجلها همزة الوصل ، ولا محل للجملة حينئذٍ ، وفيه التوبيخ لأنفسهم على الأمرين جميعاً ؛ لأن أم على هذه القراءة هي للتسوية . وقرأ أبو جعفر ، ونافع ، وشيبة ، والمفضل ، وهبيرة ، ويحيى بن وثاب ، والأعمش ، وحمزة ، والكسائي : " سخرياً " بضم السين ، وقرأ الباقون بكسرها . قال أبو عبيدة : من كسر جعله من الهزء ، ومن ضم جعله من التسخير .

/خ70