قوله : { أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً } قرأ الأخوان وأبو عمرو بوصل الهمزة ، وهي تحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون خبراً محضاً ، وتكون الجملة في محل نصب صفة ثانية «لرجالاً » كما وقع «كُنَّا نَعُدُّهُمْ » صفة وأن يكون المراد الاستفهام وحذفت أداته لدلالة «أَمْ » عليها كقوله :
تَرُوحُ مِنَ الْحَيِّ أَمْ تَبْتَكِر*** وَمَاذَا عَلَيْكَ بِأَنْ تَنْتَظِر
«فأم » متصلة على هذا ، وعلى الأول منقطعة ، بمعنى «بل » والهمزة لأنها لم يتقدمها همزة استفهام ولا تسوية ، والباقون بهمزة استفهام سقطت لأجلها همزة الوصل ، والظاهر أنه لا محل للجملة حينئذ لأنها طلبية ، وجوز بعضهم أن تكون صفة لكن على إضمار القول أي رجالاً مقولاً فيهم أتخذناهم كقوله :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** جَاؤُوا بِمَذْقٍ هَلْ رَأيْتَ الذِّئْبَ قَطّ
إلا أن الصفة في الحقيقة ذلك القول المضمر ، وقد تقدم الخلاف في «سُخْرِيًّا » في «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ » والمشهور أن المكسور من الهُزْء كقوله :
إنّي أَتَانِي لِسَانٌ لاَ أُسَرُّ بَِهَا*** مِنْ عَلْوِ لاَ كَذِبٌ فِيهَا ولا سُخْرُ
وتقدم معنى لحاق الياء المشددة في ذلك ، و «أم » مع الخبر منقطعة فقط كما تقدم ومع الاستفهام يجوز أن تكون متصلةً ، وأن تكون منقطعةً كقولك : ( أ ) زَيْدٌ عِنْدَكَ أَمْ عِنْدَكَ عَمْرو ، ويجوز أن يكون «أَمْ زَاغَتْ » متصلاً بقوله : { مَا لَنَا } ؛ لأنه استفهام إلا أنه يتعين انقطاعها لعدم الهمزة ويكون ما بينهما معترضاً على قراءة «أَتَّخَذْنَاهُمْ » بالاستفهام إن لم تجعله صفةً على إضمار القول كما تقدم . قال أَهْلُ المعاني : قراءة الأخوين أولى لأنهم علموا أنهم اتخذوهم سخرياً لقوله تعالى : { فاتخذتموهم سِخْرِيّاً حتى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي } [ المؤمنون : 110 ] فلا يستقيم الاستفهام . وتكون «أم » على هذه القراءة بمعنى «بل » وأجاب الفراء عن هذا بأَن قال : هذا من الاستفهام الذي معناه التعجب والتوبيخ . ومثلُ هذا الاستفهام جائز عن الشيء المعلوم ومن فتح الألف قال هو على اللفظ لا على المعنى ليعادِل «أمْ » في قوله «أَمْ زَاغتْ » .
فإن قيل : فما الجملة المعادلة بقوله : «أم زاغت » على القراءة الأولى ؟ فالجواب : أنها محذوفة ، والتقدير : أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ . وقرأ نافعٌ سُخْريًّا - بضم السِّين- والباقون بكسرها . فقيل : هما بمعنى ، وقيل : الكسر بمعنى الهُزْء ، وبالضم التذليل والتسخير وأما نظم الآية على قراءة الإخبار فالتقدير : مَا لَنَا نَرَاهُمْ حَاضِرينَ لأجْلِ أنَّهُمْ لحَقَارَتِهمْ تُركوا لأجل أنهم زاغت عنهم الأبصار ، ووقع التعبير عن حقارتهم بقولهم : «أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْريًّا » وأما على قراءة الاستفهام فالتقدير لأجل أنّا قد اتخذناهم سخرياً وما كانوا كذلك فلم يدخلوا لأجل أنه زاغت عنهم الأبصار .
معنى الآية : ومَا لَنَا لا نرى هؤلاء الذين اتخذناهم سخرياً لم يدخلوا معنا النَّار أم دخلو ( ها ) فزاغت أي فمالت عنهم أبصارنا فَلَمْ نَرَهُمْ حتى دخلوا . وقيل : أم هم في النار ولكن احتجبوا عن أبصارنا ، وقال ابن كيسان أم كانوا خيراً منا ونحن لا نعلم فكان أبصارنا تزيغ عنهم في الدنيا فلا نعدُهُّمْ شيئاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.