المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٖۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَكۡثَرَ شَيۡءٖ جَدَلٗا} (54)

وقوله تعالى : { ولقد صرفنا } الآية ، المعنى : ولقد خوفنا ورجينا وبالغنا في البيان ، وهذا كله بتمثيل وتقريب للأذهان ، وقوله : { من كل مثل } أي من كل مثال له نفع في الغرض المقصود بهم ، وهو الهداية ، وقوله { وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً }{[7832]} خبر مقتضب في ضمنه ، فلم ينفع فيهم تصريف الأمثال ، بل هم منحرفون يجادلون بالباطل وقوله { الإنسان } يريد الجنس ، وروي أن سبب هذه الآية هو النضر بن الحارث ، وقيل ابن الزبعرى . وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد نام عن صلاة الليل ، فأيقظه ، فقال له علي إنما نفسي بيد الله ، ونحو هذا ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضرب خده بيده ويقول : { وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً } فقد استعمل الآية على العموم في جميع الناس ، و «الجدل » الخصام والمدافعة بالقول ، فالإنسان أكثر جدلاً من كل ما يجادل من ملائكة وجن وغير ذلك إن فرض وفي قوله { وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً } تعليم تفجع ما على الناس ، ويبين فيما بعد .


[7832]:أخرج البخاري، ومسلم، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن علي رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة ليلا، فقال: ألا تصليان؟ فقلت: يا رسول الله ، إنما أنفسنا بيد الله، إن شاء أن يبعثنا بعثنا، وانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إلي شيئا، ثم سمعته يضرب فخذه ويقول: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا}.