المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{۞أَفَتَطۡمَعُونَ أَن يُؤۡمِنُواْ لَكُمۡ وَقَدۡ كَانَ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَسۡمَعُونَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعۡدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (75)

ّ{ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } ( 75 )

وقوله تعالى : { أفتطمعون أن يؤمنوا لكم } الآية ، الخطاب للمؤمنين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن الأنصار كان لهم حرص على إسلام اليهود للحلف والجوار الذي كان بينهم ، ومعنى هذا الخطاب : التقرير( {[830]} ) على أمر فيه بعد ، إذ قد سلفت لأسلاف هؤلاء اليهود أفاعيل سوء ، وهؤلاء على ذلك السنن ، والفريق اسم جمع لا واحد له من لفظه كالحزب ، وقال مجاهد والسدي : عني بالفريق هنا الأحبار الذين حرفوا التوراة في صفة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل المراد كل من حرف في التوراة شيئاً حكماً أو غيره كفعلهم في آية الرجم ونحوها ، وقال ابن إسحاق والربيع : عُني السبعون الذين سمعوا مع موسى صلى الله عليه وسلم ثم بدلوا بعد ذلك .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وفي هذا القول ضعف ، ومن قال إن السبعين سمعوا ما سمع موسى فقد أخطأ وأذهب فضيلة موسى عليه السلام واختصاصه بالتكليم ، وقرأ الأعمش ، «كَلِمَ الله » ، وتحريف الشيء إحالته من حال إلى حال( {[831]} ) ، وذهب ابن عباس رضي الله عنه إلى أن تحريفهم وتبديلهم إنما هو بالتأويل ولفظ التوراة باقٍ ، وذهب جماعة من العلماء إلى أنهم بدلوا ألفاظاً من تلقائهم وأن ذلك ممكنٌ في التوراة لأنهم استحفظوها ، وغير ممكن في القرآن لأن الله تعالى ضمن حفظه .


[830]:- أي الحمل على الإقرار، والاعتراف بما فيه بعد وهو إيمان اليهود، والمراد أن الاستفهام فيه معنى الإقرار كأنه قيل: قد طمعتم في إيمان هؤلاء وحالهم بعيد عن الإيمان. وقد تجري الهمزة مجرى الإنكار في كثير من المواضع إذا لم يكن معها نفي، فإذا جاءت مع النفي استدعت الإقرار نحو: (أليس الله بكاف عبده)؟ فجوابه: بلى. وجواب (أفتطمعون): لا، على ما أشرنا إليه.
[831]:- التحريف: تغيير الكلام عن مواضعه ومعانيه وإمالته من حال إلى حال، فهو مأخوذ من الانحراف بمعنى الميلان، والتحريف يشمل المعاني وتحريف الألفاظ، إلا أنه لا ينبغي الإفراط في أنهم قد حرفوا الكل أو الجل، فهناك ما قد بدل، وهناك ما لم يبدل، ولكن التحريف والتبديل طبيعة فيهم، وكل ما يصدر عنهم موضع شك.