فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَوۡ نَرَىٰ رَبَّنَاۗ لَقَدِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ وَعَتَوۡ عُتُوّٗا كَبِيرٗا} (21)

{ وَقَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا } هذه المقالة من جملة شبههم التي قدحوا بها في النبوة ، والجملة معطوفة على { وَقَالُواْ مَّالِ هذا } أي وقال المشركون الذين لا يبالون بلقاء الله كما في قول الشاعر :

لعمرك ما أرجو إذا كنت مسلما***على أيّ جنب كان في الله مصرعي

أي : لا أبالي ، وقيل المعنى : لا يخافون لقاء ربهم كقول الشاعر :

إذا لسعته النحل لم يرج لسعها *** وخالفها في بيت نوب عوامل

أي لم يخف ، وهي لغة تهامة . قال الفراء وضع الرجاء موضع الخوف ، وقيل لا يأملون ، ومنه قول الشاعر :

أترجو أمة قتلت حسينا *** شفاعة جدّه يوم الحساب

والحمل على المعنى الحقيقي أولى ، فالمعنى : لا يأملون لقاء ما وعدنا على الطاعة من الثواب ، ومعلوم أن من لا يرجو الثواب لا يخاف العقاب { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا الملائكة } أي هلا أنزلوا علينا ، فيخبرونا أن محمداً صادق ، أو هلا أنزلوا علينا رسلاً يرسلهم الله { أَوْ نرى رَبَّنَا } عياناً ، فيخبرنا بأن محمداً رسول ، ثم أجاب سبحانه عن شبهتهم هذه ، فقال { لَقَدِ استكبروا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً } أي أضمروا الاستكبار عن الحق والعناد في قلوبهم كما في قوله : { إِن في صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم ببالغيه } [ غافر : 56 ] ، والعتوّ مجاوزة الحد في الطغيان ، والبلوغ إلى أقصى غاياته ، ووصفه بالكبر لكون التكلم بما تكلموا به من هذه المقالة الشنيعة في غاية الكبر والعظم ، فإنهم لم يكتفوا بإرسال البشر حتى طلبوا إرسال الملائكة إليهم ، بل جاوزوا ذلك إلى التخيير بينه وبين مخاطبة الله سبحانه ، ورؤيته في الدنيا من دون أن يكون بينهم وبينه ترجمان ، ولقد بلغ هؤلاء الرذالة بأنفسهم مبلغاً هي أحقر وأقل وأرذل من أن تكون من أهله ، أو تعدّ من المستعدّين له ، وهكذا من جهل قدر نفسه ، ولم يقف عند حدّه ، ومن جهلت نفسه قدره رأى غيره منه ما لا يرى .

/خ24