الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{۞وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَوۡ نَرَىٰ رَبَّنَاۗ لَقَدِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ وَعَتَوۡ عُتُوّٗا كَبِيرٗا} (21)

قوله تعالى : " وقال الذين لا يرجون لقاءنا " يريد لا يخافون البعث ولقاء الله ، أي لا يؤمنون بذلك . قال :

إذا لَسَعْتْهُ النحلُ لم يرج لَسْعَهَا *** وخالَفَها في بيت نُوبٍ عواملِ{[12108]}

وقيل : " لا يرجون " لا يبالون . قال :

لعمرك ما أرجو إذا كنت مسلما *** على أي جنب كان في الله مصرعي{[12109]}

ابن شجرة : لا يأملون ، قال :

أترجو أمَّةٌ قتلتْ حُسَيْنًا *** شفاعَةَ جده يوم الحساب

" لولا أنزل " أي هلا أنزل . " علينا الملائكة " فيخبروا أن محمدا صادق . " أو نرى ربنا " عيانا فيخبرنا برسالته . نظيره قوله تعالى : " وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا "

[ الإسراء : 90 ] إلى قوله : " أو تأتي بالله والملائكة قبيلا " [ الإسراء : 92 ] . قال الله تعالى : " لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا " حيث سألوا الله الشطط ؛ لأن الملائكة لا ترى إلا عند الموت أو عند نزول العذاب ، والله تعالى لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، فلا عين تراه . وقال مقاتل : " عتوا " علوا في الأرض . والعتو : أشد الكفر وأفحش الظلم . وإذا لم يكتفوا بالمعجزات وهذا القرآن فكيف يكتفون بالملائكة ؟ وهم لا يميزون بينهم وبين الشياطين ، ولا بد لهم من معجزة يقيمها من يدعى أنه ملك ، وليس للقوم طلب معجزة بعد أن شاهدوا معجزة .


[12108]:البيت لأبي ذؤيب وتقدم شرحه في ج 8 ص 311 طبعة أولى أو ثانية.
[12109]:البيت من قصيدة لخبيب بن عدي قالها حين بلغه أن الكفار قد اجتمعوا لصلبه.