فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَوۡ نَرَىٰ رَبَّنَاۗ لَقَدِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ وَعَتَوۡ عُتُوّٗا كَبِيرٗا} (21)

{ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا } هذه المقالة من جملة شبههم التي قدحوا بها في النبوة أي وقال : المشركون الذين لا يبالون بلقاء الله وقيل المعنى لا يخافون لقاء ربهم بالشر ، وهي لغة تهامة ، وأصل اللقاء : الوصول إلى الشيء ، ومنه الرؤية فإنها وصول إلى المرئي ، والمراد به الوصول إلى جزائه ، ويمكن أن يراد به الرؤية على الأول ، قال الفراء : وضع الرجاء موضع الخوف . وقيل : لا يأملون لقاءنا بالخير لكفرهم بالبعث والحمل على المعنى الحقيقي أولى .

فالمعنى لا يأملون لقاء ما وعدنا على الطاعة من الثواب ومعلوم أن من لا يرجو الثواب لا يخاف العقاب .

{ لَوْلَا } هلاّ { أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ } فيخبروننا أن محمدا صلى الله عليه وسلم صادق ، أو هلاّ أنزلوا علينا رسلا يرسلهم الله { أَوْ نَرَى رَبَّنَا ؟ } عيانا فيخبرنا بأن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول ، ثم أجاب الله سبحانه عن شبهتهم هذه فقال :

{ لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا } أي أضمروا الاستكبار عن الحق والعناد في قلوبهم كما في قوله تعالى { إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه } والعتو : مجاوزة الحد في الطغيان والبلوغ إلى أقصى غاياته ، قال ابن عباس : عتوا أي شدة الكفر ، ووصفه بالكبر لكون التكلم بما تكلموا به من هذه المقالة الشنيعة في غاية الكبر والعظم ، فإنهم لم يكتفوا بإرسال البشر حتى طلبوا إرسال الملائكة إليهم بل جاوزوا ذلك إلى التخيير بينه وبين مخاطبة الله سبحانه ورؤيته في الدنيا من دون أن يكون بينهم وبينه ترجمان ، ولقد بلغ هؤلاء الرذالة بأنفسهم مبلغا هي أحقر وأقل وأرذل من أن تكون من أهله أو تعد من المستعدين له ، وهكذا من جهل قدر نفسه ولم يقف عند حده ومن جهلت نفسه قدره رأى غيره منه ما لا يرى .