غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَوۡ نَرَىٰ رَبَّنَاۗ لَقَدِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ وَعَتَوۡ عُتُوّٗا كَبِيرٗا} (21)

21

التفسير :

هذه شبهة رابعة لمنكري النبوة وإنهم في قول الكلبي أبو جهل والوليد وأضرابهما ، وتقريرها أن الحكيم لا بد أن يختار في مقصده طريقاً يكون أسهل إفضاء إليه ، ولا شك أن إنزال الملائكة ليشهدوا على صدق محمد أعون على المطلوب ، فلو كان محمد صادقاً لكان مؤيداً بإنزال الملائكة الشاهدين بصدقه . قال الفراء : معنى { لا يرجون } لا يخافون ، والرجاء في لغة تهامة الخوف ، وقال غيره : الرجاء على أصله وهو الأمل إلا أن الخوف يلزمه في هذه الصورة فإن من لا يرجو الجزاء والمعاد لا يخاف العقاب أيضاً . واللقاء الوصول لا بمعنى المكان والجهة فإنه تعالى منزه عن ذلك بل بمعنى الرؤية عند الأشاعرة ، أو على إرادة الجزاء والسحاب عند المعتزلة ، وقد مر في أوائل البقرة في قوله { الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون }

[ البقرة : 46 ] ولعل تفسيره بلقاء الجزاء أنسب في هذا المقام لئلا يناقض قوله : { أو نرى ربنا } أي جهرة وعياناً فيأمرنا بتصديقه واتباعه اللهم إلا أن يراد : إن الذين لا يرجون رؤيتنا في الآخرة اقترحوا رؤيتنا في الدنيا . قال جار الله : لا يخلو إما أن يكونوا عالمين بأن الله عز وجل لا يرسل الملائكة إلى غير الأنبياء وإنه تعالى لا يصح أن يرى وإنما علقوا إيمانهم بما لا يكون ، وإما أن يكونوا عالمين بذلك وإنما أرادوا التعنت باقتراح آيات سوى الآيات التي نزلت وقامت بها الحجة عليهم كما فعل قوم موسى حين قالوا { لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } [ البقرة : 55 ] . ثم إنه سبحانه أجاب عن شبهتهم بقوله : { لقد استكبروا في أنفسهم } أي أضمروا الاستكبار عن الحق وهو الكفر والعناد في قلوبهم واعتقدوه . ثم نسبهم إلى الإفراط في الظلم بقوله { وعتواً } ثم وصف العتوّ بالكبر . قال جار الله : اللام جواب قسم محذوف وهذه الجملة في حسن استئنافها غاية وفيها معنى التعجب كأنه قال : ما أشد استكبارهم وما أكبر عتوّهم ! وقال في التفسير الكبير : تحرير هذا الجواب من وجوه أحدها : أن القرآن لما ظهر كونه معجزاً فقد تمت دلالة نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم فبعد ذلك لا يكون اقتراح أمثال هذه الآيات إلا محض الاستكبار والاستنكار . وثانيها أن نزول الملائكة لو حصل لكان أيضا من جملة المعجزات ، ولا يدل على الصدق لخصوص كونه بنزول الملك بل لعموم كونه معجزاً فيكون قبول ذلك وردّ الآخر ترجيحاً لأحد المثلين من غير مرجح . وثالثها أنهم بتقدير رؤية الرب وتصديقه لرسوله لا يستفيدون علماً أزيد من تصديق المعجزات ، لا فرق بين أن يقول النبي اللهم إن كنت صادقاً فأحي هذا الميت فيحييه ، وبين أن يقول إن كنت صادقاً فصدّقني فتعيين أحد الطرفين محض العناد . ورابعها أن العبد ليس له أن يعترض على فعل مولاه إما بحكم المالكية عند الأشعري أو بحكم المصلحة عند المعتزلي . وخامسها أن السائل الملح المعاند الذي لا يرضى بما ينعم عليه مذموم وإظهار المعجز من جملة الأيادي الجسيمة فرد إحداها واقتراح الأخرى ليس من الأدب في شيء . وسادسها لعل المراد أني لو علمت بأنهم ليسوا مستكبرين عاتين لأعطيتهم مطلوبهم لكني علمت إنهم إنما سألوا لأجل المكابرة والعناد فلا جرم لا أعطيهم . وسابعا لعلهم عرفوا من أهل الكتاب أن الله تعالى لا يرى في الدنيا وأنه لا ينزل الملائكة على عوام الخلق ، ثم إنهم علقوا إيمانهم على ذلك فهم مستكبرون ساخرون . واستدلت الأشاعرة بقوله : { لا يرجون لقاءنا } على أن رؤية الله مرجوّة . واستدلت المعتزلة بقوله { لقد استكبروا } { وعتواً } أن اقتراح الرؤية مستنكر ولا يخفى ضعف الاستدلالين : وانتصب .

/خ50