المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{فَذَرۡنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِۖ سَنَسۡتَدۡرِجُهُم مِّنۡ حَيۡثُ لَا يَعۡلَمُونَ} (44)

وقوله تعالى : { فذرني ومن يكذب بهذا الحديث } وعيد ولم يكن ثم مانع ، ولكنه كما تقول : دعني مع فلان ، أي سأعاقبه ، { ومن } في موضع نصب عطفاً على الضمير في : { ذرني } أو نصباً على المفعول معه ، و { الحديث } المشار إليه هو القرآن المخبر بهذه الغيوب ، والاستدراج هو : الحمل من رتبة إلى رتبة ، حتى يصير المحمول إلى شر وإنما يستعمل الاستدراج في الشر ، وهو مأخوذ من الدرج ، قال سفيان الثوري : نسبغ عليهم النعم ، ويمنعون الشكر ، وقال غيره : كلما زادوا ذنباً زادوا نعمة ، وفي معنى الاستدراج قول النبي صلى الله عليه وسلم :

«إن الله تعالى يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته »{[11266]} وقال الحسن : كم من مستدرج بالإحسان إليه ومغرور بالستر عليه .


[11266]:أخرجه البخاري في تفسير سورة (هود)، وكذلك الترمذي/ أما مسلم فأخرجه في البر، وابن ماجه في الفتن، ولفظه كما جاء في البخاري: عن أبي موسى رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)، قال : ثم قرأ: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد).