المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكۡرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجۡنُونٞ} (51)

ثم أخبر تعالى نبيه بحال نظر الكفار إليهم ، وأنهم يكادون من الغيظ والعداوة ، يزلقونه فيذهبون قدمه من مكانها ويسقطونه . وقرأ جمهور القراء : «يُزلقونك » بضم الياء من أزلق ، وقرأ نافع وحده : «يَزلقونك » . بفتح الياء من زلقت الرجل ، يقال : زلِق الرجل بكسر اللام وزلَقته بفتحها مثل : حزن وحزنته وشترت العين بكسر التاء وشترتها{[11272]} ، وفي مصحف عبد الله بن مسعود : «ليزهقونك » بالهاء ، وروى النخعي أن في قراءة ابن مسعود : «لينفدونك »{[11273]} ، وفي هذا المعنى الذي في نظرهم من الغيظ والعداوة قول الشاعر : [ الكامل ]

يتقارضون إذا التقوا في مجلس . . . نظراً يزيل مواطئ الأقدام{[11274]}

وذهب قوم من المفسرين إلى أن المعنى : يأخذونك بالعين ، وذكر أن الدفع بالعين كان في بني أسد ، قال ابن الكلبي : كان رجل يتجوع ثلاثة أيام لا يتكلم على شيء إلا أصابه بالعين ، فسأله الكفار أن يصيب النبي عليه السلام ، فأجابهم إلى ذلك ، ولكن عصم الله تعالى نبيه ، قال الزجاج : كانت العرب إذا أراد أحدهم أن يعتان{[11275]} شيئاً ، تجوع ثلاثة أيام ، وقال الحسن : دواء من أصابه العين أن يقرأ هذه الآية ، و { الذكر } في الآية القرآن .


[11272]:الشتر: انقلاب في جفن العين، وقيل: استرخاء الجفن الأسفل.
[11273]:معناها: يصرعونك، قال ذلك مجاهد، وقال بعضهم: إذا زلق السهم وزهق قيل له: نفذ، فالمعنى في نفذ هو المعنى في زلق وزهق، وكأنه تعالى يقول: إنهم ينظرون إليك إذا قرأت القرآن نظرا شديدا بالبغضاء يكاد يسقطك.
[11274]:البيت في اللسان، والتاج، والقرطبي، والبحر المحيط، ولم ينسبه أحد منهم، والمقارضة تكون في العمل السيئ، والقول السيئ يقصد الإنسان به صاحبه، وقد تكون في الخير قليلا، والمعنى هنا: ينظر بعضهم إلى بعض بالبغضاء والعداوة نظرا يزلزل مواضع الأقدام، ويروى "يزل" بدلا من "يزيل" والمعنى واحد.
[11275]:أي: يصيبه بالعين، يقال: عان فلان الرجل يعينه عينا فهو عائن ، والمصاب معين، وفي الحديث الشريف (العين حق) – أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما-، ويقال: اعتان لنا فلان: أي صار لنا عينا وجاسوسا، ولكنه استعمل اعتان بمعنى عان هنا.