فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَذَرۡنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِۖ سَنَسۡتَدۡرِجُهُم مِّنۡ حَيۡثُ لَا يَعۡلَمُونَ} (44)

{ فذرني ومن يكذب بهذا الحديث } تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديد لهم . أي خل بيني وبينه وكل أمره إلي فأنا أكفيكه . قال الزجاج : معناه لا تشغل به قلبك بل كله أليّ أكفيك أمره . والفاء لترتيب ما بعدها من الأمر على ما قبلها من أحوالهم المحكية ، والمراد بالحديث القرآن قاله السدي . وقيل يوم القيامة .

{ سنستدرجهم } مستأنفة لبيان كيفية التعذيب لهم المستفاد من قوله فذرني الخ . . والضمير عائد إلى { من } باعتبار معناها والمعنى سنأخذهم بالعذاب على غفلة ونسوقهم إليه درجة فدرجة حتى نوقعهم فيه { من حيث يعلمون } أن ذلك استدراج لأنهم يظنونه إنعاما ولا يفكرون في عاقبته وما سيلقون في نهايته .

قال سفيان الثوري : نسبغ عليهم النعم وننسيهم الشكر ، وقال الحسن : من مستدرج بالإحسان إليه ، وكم من مفتون بالثناء عليه ، وكم من مغرور بالستر عليه ، والاستدراج ترك المعالجة ، وأصله النقل من حال إلى حال ، ويقال استدرج فلان فلانا أي استخرج ما عنده قليلا قليلا ، ويقال درجه إلى كذا واستدرجه يعني أدناه إلى التدريج فتدرج هو ، ومعنى الكيد والمكر والاستدراج هو الأخذ من جهة الأمن ، ولا يجوز أن يسمى الله سبحانه كائدا وماكرا ومستدرجا .