إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَذَرۡنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِۖ سَنَسۡتَدۡرِجُهُم مِّنۡ حَيۡثُ لَا يَعۡلَمُونَ} (44)

{ فَذَرْنِي وَمَن يُكَذّبُ بهذا الحديث } أي كِلْهُ إليَّ فإِنِّي أكفيكَ أمرَهُ ، أيْ حسبُكَ في الإيقاعِ بهِ والانتقام منهُ أنْ تَكِلَ أمرَهُ إليَّ وتُخلِّي بينِي وبينَهُ ، فإنِّي عالمٌ بمَا يستحقُّه من العذابِ ، ومطيقٌ لهُ . والفاءُ لترتيبِ الأمرِ على ما قبلَهَا من أحوالِهِم المحكيةِ أيْ وإذَا كانِ حالُهُم في الآخرةِ كذلكَ فذرنِي ومن يكذِّبُ بهذا القرآنِ ، وتوكلْ عليَّ في الانتقامِ منْهُ . وقولُه تعالَى : { سَنَسْتَدْرِجُهُم } استئنافٌ مسوقٌ لبيانِ كيفيةِ التعذيبِ المُستفادِ من الأمرِ السابقِ إجمالاً ، والضميرُ لمَنْ والجمعُ باعتبارِ معناهَا كما أنَّ الإفرادَ في يكذِّبُ باعتبارِ لفظِهَا أي سنستنزِلُهُم إلى العذابِ درجةً فدرجةً بالإحسانِ وإدامةِ الصحةِ وازديادِ النعمةِ . { من حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } أنه استدراجٌ وهو الإنعامُ عليهِم بلْ يزعمونَ أنه إيثارٌ لهُم وتفضيلٌ على المؤمنينَ مع أنَّهُ سببٌ لهلاكِهِم .