معاني القرآن للفراء - الفراء  
{فَذَرۡنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِۖ سَنَسۡتَدۡرِجُهُم مِّنۡ حَيۡثُ لَا يَعۡلَمُونَ} (44)

وقوله : { فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ } .

معنى فذرني ومن يكذب أي : كِلْهم إِليّ ، وأنت تقول للرجل : لو تركتك ورأيك ما أفلحت ، أي : لو وكلتك إلى رأيك لم تفلح ، وكذلك قوله : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وحِيداً } ، و( من ) في موضع نصب ، فإذا قلت : قد تُرِكتَ ورأيَك ، وخُليت ورأيك نصبت الرأي ؛ لأن المعنى : لو ترِكتَ إلى رأيك ، فتنصب الثاني لحسن هذا المعنى فيه ، ولأنّ الإسم قبله متصل بفعل .

فإذا قالت العرب : لو تركت أنت ورأيُكَ ، رفعوا بقوة : أنت ، إذ ظهرت غير متصلة بالفعل . وكذلك يقولون : لو ترك عبد الله والأسدُ لأكله ، فإِن كنّوا عن عبد الله ، فقالوا : لو ترك والأسدَ أكله ، نصبوا ؛ لأن الإسم لم يظهر ، فإن قالوا : لو ترك هو والأسد ، آثروا الرفع في الأسد ، ويجوز في هذا ما يجوز في هذا إلا أن كلام [ 204/ا ] العرب على ما أنبأتك به إلا قولَهم : قد ترك بعضُ القوم وبعض ، يؤثرون في هذا الإتباعَ ؛ لأن بعضَ وبعضٌ لما اتفقتا في المعنى والتسمية أختير فيهما الإتباع والنصب في الثانية غير ممتنع .