اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَذَرۡنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِۖ سَنَسۡتَدۡرِجُهُم مِّنۡ حَيۡثُ لَا يَعۡلَمُونَ} (44)

قوله : { فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بهذا الحديث } ، أي : فدعني والمكذبين بالقرآن وخلّ بيني وبينهم .

وقال الزجاجُ : لا تشغل بالك به كِلْهُ إليّ ، فإني أكفيك أمره .

و«مَنْ » منصوب إما نسقاً على ضمير المتكلم ، أو مفعول معه ، وهو مرجوح ؛ لإمكان النسق من غير ضعف ، وتقدم إعراب ما بعده .

فصل في مناسبة الآية لما قبلها

لما خوف الكفار بعظمة يوم القيامة زاد في التخويف مما عنده ، وفي قدرته من القهر ، يقال : ذَرْنِي وإياه أي كِلْهُ إليّ ، فأنا أكفيكه .

قال السديُّ : والمراد بالحديث القرآن{[57683]} .

وقيل : يوم القيامةِ ، وهذا تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم .

قوله : { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } ، أي : سنأخذهم على غفلة ، وهم لا يعرفون ، فعذبوا يوم بدر .

وقال سفيان الثوري : نسبغ عليهم النعم ، وننسيهم الشكر .

وقال الحسن : كم مستدرجٍ بالإحسان إليه ، وكم مفتون بالثناء عليه ، وكم مغرورٍ بالستر عليه{[57684]} .

وقال أبو روق : كلما أحدثوا الخطيئة جددنا لهم نعمة ، وأنسيناهم الاستغفار .

قال ابن عباسٍ : سنمكر بهم{[57685]} ، وروي أن رجلاً من بني إسرائيل قال : يا ربِّ ، كم أعصيك وأنت لا تعاقبني ، فأوحى اللَّهُ إلى نبي زمانهم أن قُلْ له : كَمْ مِنْ عقُوبَةٍ لِي عليكَ وأنْتَ لا تَشْعرُ أنَّ جُمُودَ عَيْنِك ، وقساوة قلبك استدراجٌ منِّي ، وعقُوبةٌ لو عقَلْتَ{[57686]} .

والاستدراج : ترك المعالجة ، وأصله النقل من حال إلى حال كالتدريج .

ومنه قيل : درجات ، وهي منزلة واستدرج فلان فلاناً ، أي : استخرج ما عنده قليلاً قليلاً ، ويقال : درجه إلى كذا ، واستدرجه بمعنى أدناه على التدريج ، فتدرج .

ومعنى الآية : إنا لما أنعمنا عليهم اعتقدوا أن ذلك الإنعام تفضيل لهم على المؤمنين ، وهو في الحقيقة يسبب هلاكهم .


[57683]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/163).
[57684]:ينظر المصدر السابق.
[57685]:ينظر المصدر السابق.
[57686]:ينظر المصدر السابق.