المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ وَقَدۡ كَانُواْ يُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمۡ سَٰلِمُونَ} (43)

و : { خاشعة } نصب على الحال وجوارحهم كلها خاشعة ، أي ذليلة ولكنه خص الأبصار بالذكر لأن الخشوع فيها أبين منه في كل جارحة . وقوله تعالى : { ترهقهم ذلة } أي تزعج نفوسهم وتظهر عليهم ظهوراً يخزيهم ، وقوله تعالى : { وقد كانوا يدعون إلى السجود } يريد في دار الدنيا وهم سالمون مما نال عظام ظهورهم من الاتصال والعتو ، وقال بعض المتأولين : { السجود } هنا عبارة عن جميع الطاعات ، وخص { السجود } بالذكر من حيث هو عظم الطاعات ، ومن حيث به وقع امتحانهم في الآخرة ، وقال إبراهيم التيمي{[11264]} والشعبي : أراد ب { السجود } الصلوات المكتوبة ، وقال ابن جبير : المعنى كانوا يسمعون النداء للصلاة : وحي على الفلاح فلا يجيبون ، وفلج الربيع بن خيثم{[11265]} : فكان يهادي بين رجلين إلى المسجد ، فقيل له : إنك لمعذور ، فقال : من سمع حي على الفلاح ، فليجب ولو حبواً ، وقيل لابن المسيب : إن طارقاً يريد قتلك فاجلس في بيتك ، فقال : أسمع حي على الفلاح فلا أجيب ؟ والله لا فعلت . وهذا كله قريب بعضه من بعض .


[11264]:هو إبراهيم بن سالم بن أبي أمية التميمي، المدني، أبو إسحق المعروف ببردان –بفتح الباء والراء- صدوق، من السادسة، مات سنة ثلاث وخمسين، وهناك إبراهيم بن أدهم ابن منصور العجلي، أبو إسحق البلخي الزاهد، من الطبقة الثامنة، مات سنة اثنتين وستين، إذ يقال له أيضا: التميمي، ولكنا نميل إلى أن المقصود هو الأول.
[11265]:هو الربيع بن خثيم (بضم الخاء وفتح الثاء- وضبطه في الخلاصة "خيثم" بفتح الخاء وسكون الياء وفتح الثاء) بن عائذ بن عبد الله الثوري، أبو يزيد الكوفي، ثقة، عابدا، مخضرم، من الطبقة الثانية، قال له عبد الله بن مسعود: لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك، مات سنة إحدى وستين، وقيل: بل سنة ثلاث وستين. (تقريب التهذيب).